للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخليفة مرة عن غنائه، فأجاب أنه يستطيع أن يغني كما يغنى الآخرون، لكن علاوة على هذا يقدر على أداء أشياء لا يقدر عليها غيره، إن فنه يدركه ويقدره الفنانون أو الذين لهم دراية كبرى كدراية أمير المؤمنين؛ ثم استأذن الخليفة أن يسمعه بعض أغانيه التي لم يسمعها من قبل. فأعطى إسحق بن إبراهيم الموصلي تلميذه عوده، فتفقده زرياب كما يتفقد حذاء قذرا، وقال: إذا شئتم يا مولاي غنيت لكم شيئاً كالذي سيغنيه أستاذي، وسأغني بمصاحبة عودي. وفي هذا الوقت كان إسحق الموصلي يزداد ألماً وحقداً فطلب زرياب أن يستصحب عوده الذي صنعه هو، وبعد استئذان الخليفة أخذ زرياب يغني قصيدة من تلحينه يمدح فيها أمير المؤمنين.

وقد أعجب الخليفة بها إعجاباً عظيماً وقرر أن مثل هذه العبقرية يجب أن تصبح حلية يتحلى بها قصره. أما إسحق بن إبراهيم الموصلي فقد تأثر كثيراً من هذه القصيدة لأنه لم يكن يخطر بباله أن مثل هذا النجم سيتلألأ سريعاً، لذلك قال له إسحق لقد خدعتني خداعاً عظيماً بكتمانك وخبئك، لقد حاولت أن تطعنني أمام الخليفة. ثم طلب إليه ألا يغني، وسيدفع له إسحق مالاً كثيراً، وإن لم يفعل هذا فسينتقم منه شر نقمة.

ومن ثم نرى الإشاعة تنتشر في أن أرواحاً تتقمص زرياب وتخبره عن الألحان وتبلغ هذه الشائعة الخليفة الذي أبدي الرغبة في مشاهدة زرياب، كما قيل للخليفة كذباً وميناً إن زرياب مغرور وإنه قد غضب لأن الخليفة لم يمنحه المال الكافي.

ولماذا لا ينجح الشخص الذي نجح لدى هارون الرشيد، عند الحكم الأول في الأندلس فاستولى عليه السرور وذلك لأن بلبل بغداد قد تركها، وأنه سيغرد في حدائق قصره. لكن لم يكد المغني يضع قدميه في الأندلس، حتى علم أن مرسل الخطاب قد توفي منذ زمن قصير، فكان هذا الخبر صدمة قوية لزرياب حتى فكر في العودة إلى إفريقيا عندما حضر إليه رسول الخليفة الأموي الجديد الذي جلس على عرش البلاد واسمه عبد الرحمن الثاني، فقد دعاه عبد الرحمن هذا إلى قصره لكي يسطع نجمه في ردهاته، وأرسل إليه بغلا مطهماً جعل زرياب يشعر أن القوم في الأندلس يقدرون فنه.

<<  <   >  >>