للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والتقدم، فبغتة ارتفعت أسهم القيم الإنسانية والقيم الثقافية وعادت الكرامة إلى العلماء وشجعتهم الدولة وحنت عليهم، فمدارس القصر الإمبراطوري التي قد عفى عليها الزمن عادت إليها الحياة ثانية وكبرت واتسعت. ففي المحاضرات العامة كانت تدرس أبقراط وجالينوس، كما ظهر أطباء من الغوط المتعلمين ومارسوا دراسة الطبيعة والفلك. واستمرت هذه النهضة العلمية حتى بعد وفاة الملك. «إن إنفاق المال على العلماء أجدى من إنفاقه على الممثلين». هذه هي العبارة التي قررها حفيد الملك المسمى «أثا لاريش» عندما أظهر استعداده لتشجيع العلم والعلماء، فقد كان هناك عصر نقاهة ونمو يبشر بمستقبل مزدهر، لكن الذي حدث أن هذه الزهرة قطفت وما زالت برعومة، ومن عجائب القدر أن الذين قطفوها كانوا رجالا يونانيين أرسلتهم بيزنطة للقيام بهذه المهمة المشينة. قطفت الزهرة ولم تخلف إلا نبتًا هزيلا استطاع أن يقاوم عوامل الفناء زمنًا، فقد تناوله رئيس الوزراء «كسيودور»، وقد كان مستشارًا للملك، ومن ثم سلم «كسيودو» النبت إلى جماعة البنديكت للعناية به في الأديرة، فلم يجد النبت في هذه الأرض الرطبة ما يساعده على النمو والازدهار.

إن العصر الذهبي للملك «ثيوديريش» كان بصيص النور والأمل الذي خلف قرونًا عديدة من البؤس والشقاء، ولم يكن هو الوحيد. فالفندال إلى جانب الرومان اهتموا أيضًا بالدراسة في مدارس الخطابة والنحو، فالجراف الفندالي «سيجستويس» كان نصيرًا للشعر والشعراء وذلك لأنه هو نفسه كان يقرض الشعر، وكذلك ملك الإفرنج «شيليريش» الذي ألف شعرًا في اللغة اللاتينية كما قرأ فرجيل وشيشرون للملوك الكتاب ملوك الغوط الغربيين وهم «ومبا» و «سيسيبوت» و «شينديسوينث» و «شينتهيلا». وفي كل مكان نجد الجرمان قد بدأوا يقبلون على الثقافة الأدبية. وكان بين الغوط الغربيين، كما هو الحال عند الإفرنج، نفر من المثقفين في مختلف الدوائر الحكومية والإدارية بل حتى في الأوساط التجارية، وهؤلاء المثقفون كانوا يلمون بالكتابة والقراءة والحساب وبعض المواضيع القانونية.

كذلك جاءنا أنه ظهرت حركات تقدمية علمية أيام حكم اللومبارديين الذين كانوا فيما بعد أول من تخلص من ضغط رجال الدين وساهموا في الأدوار الأولى لظهور الحركة الأدبية بنصيب وافر.

<<  <   >  >>