بمعلوماته التي جمعها عن الحياة الإسلامية والعلماء المسلمين والشعراء وغيرهم الذين كانوا كالسوار حول معصم الحكم، كما حدثه أيضًا عن أعيان المسيحيين الذين كانوا يقطنون قرطبة، هذه المدينة العظيمة وكيف أن المسيحيين هناك كانوا يتمتعون بكيانهم التشريعي، فلهم رئيسهم الديني وقاضي القضاة، وكانوا جميعهم يتزيون ويتكلمون مثل العرب ويتمتعون بكل الحقوق التي يمارسها العربي كما فتحت أمامهم دور العلم فاغترفوا منها ما شاءوا من رياضيات وطبيعيات، وكان حظهم من هذه الثقافة لا يقل عن حظ أساتذة الجامعات الإسلامية.
وهكذا نجد «جربرت» يقبل على الأسقف «هتو» ويروي ظمأه العلمي مما اغترفه هذا الأسقف من ينابيع المعرفة العربية الإسلامية فحصل على يديه الكثير، وبخاصة الرياضيات والفلك ومعلومات أرى لا يعرفها أحد في بلده، أعني الأعداد العربية.
وفي عام ٩٧١ م وافق «جلبرت» المارك جراف الأسقف إلى روما حيث تمت هناك المقابلة التي تعرف فيها على أسرة القيصر الألماني «أوتو» العظيم وحرمه القيصرة «أدلهيد» وابنها وكذلك الحفيد، فاتخذ أوتو الثالث من هذا المعلم العجيب أستاذًا له ومستشاره الخاص في القصر القيصري كما جعله كبير أساقفة «رافينا». وفي عام ٩٩٩ م عينه تحت اسم «سيلفستر» الثاني خلفًا لبطرس فكان هذا الرقي المفاجئ معجزة العصر ولغزًا للأحداث التي وقعت وقت ذاك.
فشخصية الرجل ومعرفته أثارت إعجاب معاصريه، فقد استعان بالعلوم الإسلامية الشيطانية «كذا» للتدخل في علم الله ومخلوقاته؛ لذلك بدا هذا العالم أمام هؤلاء القوم سرًا غامضًا وساحرًا كبيرًا، فقد بلغ ما بلغ من علوم ومعرفة عن طريق العرب فقط ومن سوى العرب كان يهيمن على هذه العلوم وتلك المعارف غير المسيحية؟ فقد كان «جربرت» يسترق الزمن ليهرب من الدير خفية إلى أسبانيا -هكذا تحدثنا القصة- راغبًا في دراسة الفلك وغيره من العلوم على يد العلماء المسلمين. فهناك تعلم السحر وإحضار الجان الأسود من جهنم وغيرها وكذلك سائر الكائنات الضارة والنافعة، وفي أسبانيا أيضًا حصل عن طريق حيلة من الحيل من ساحر عجوز على كتاب في السحر كان الشيخ يحافظ عليه ويعني به كثيرًا، فما