للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالرغم من جمالها لقيت معارضة قوية من الخاصة والعامة الذين فضلوا تصور الأرض في قلب الكون، فالأرض هي التي أخرجت الإنسان وتعهدته والإنسان هو مقياس كل شيء إلا أن هذا الرأي ينقصه الدليل ولا يكفي الادعاء للأخذ به. وهكذا ظلت الأرض الوطن المقدس في الوجود، وظلت هكذا أيضًا حتى عام ١٥٠ ق. م. إذ ظهر في ذلك الوقت رجل من آسيا الصغرى بدأ بحثًا بطريقة أخرى غير يونانية إذ أخذ يقيس السماء ويفحص ويحسب في صبر وأناة ودقة لم يسبقه إليها أحد. والرجل الذي فتح هذا الفتح الجديد في دراسة النجوم ووضع أسس الدراسة العلمية الفلكية هو «هيبارش» فكان يقرأ صفحة السماء بعينين نافذتين ويعد ويقيس بآلات هو واضع معظمها، وقد أهدى هذا العالم ما توصل إليه من معرفة وتواريخ وفهارس للنجوم لجميع الذين يعنون بالدراسات الفلكية، وقد وصفه بطليموس المصري الذي جاء بعده بنحو مائتين وخمسين سنة بأنه أدق العلماء وأخلصهم.

والشيء الجدير بالملاحظة أن بطليموس المصري هذا اعتمد في كتابه الماجسطي على ما انتهى إليه «هيبارش»، ولا عجب في هذا، فمجهود «هيبارش» ظل عصورًا طويلة كمثل أعلى للنتيجة التي انتهى إليها علم الفلك، إذ لم يظهر عالم آخر سواء عند الرومان أو من بين الهنود استطاع أن يخطو بهذا العلم خطوة أبعد، وظل الحال كذلك حتى جاء العرب فخلقوا الفلك خلقًا جديدًا، لقد زهر بين العرب فلكيان عظيمان يسمى كل منهما «عمر» وقد جلسا يومًا من الأيام عند عمود مسجد من المساجد وأمامهما كتاب الماجسطي فعبر عليهما جماعة من العلماء فوقفوا وسألوهما: ماذا يدرسان؟ «نحن نقرأ» أجاب أحد العمرين «تفسير قوله تعالى»:

{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية: ١٧ - ١٨]

إن لعلم الفلك أثرًا بعيدًا ومكانة ممتازة عند كل مسلم فطلوع النجوم وشروق الشمس وظهور القمر آيات بينات ناطقة بعظمة الله وعلمه. هذا الله الذي ينطق القرآن الكريم بمجده وقوته هو خالق السماء والأرض والظلام والنور ويحيط بكل

<<  <   >  >>