للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حقًا إن المشورة كانت موفقة كما أحسن اختيار الزمن. فقد عرف فريدريش السلطان عن طريق رسوله الفتوة ومراعاتها وتقدير مركزه ومكانته في أوربا. كما أدرك السلطان جميع التفصيلات والأمور التي تمت بين القيصر فريدريش و «خليفة روما» وكان على علم تام بكل ما يجري وجرى هناك في أوربا. لذلك ما كاد فخر الدين يخبر سيده السلطان الكامل بأفكار الإمبراطور، وأنه يذكره بوعده الذي قطعه على نفسه وأعلن استعداده لعقد اتفاقية جديدة وبخاصة أن مركزه في سوريا لم يكن على ما يرام، حتى وافق السلطان الكامل على عقد الصلح مع القيصر فريدريش الثاني. وفي ١٨ فبراير ١٢٢٩ م تصافح الشرق والغرب وحل السلام محل الخصام.

وقد حضر مراسيم توقيع المعاهدة السادة: «هرمان فون سلزا» رئيس الطائفة الألمانية و «توماس فون أكوين» و «الجراف فون أكيرا»، وأقسم أمير المؤمنين السلطان الكامل يمين العهد والمواثيق واحترام اليمين، كما أعلن في نفس الساعة احترامه لهذه الاتفاقية الرئيس المدني للمسيحيين، وكان ذلك في المعسكر الكائن بالقرب من يافا، ألا وهو القيصر فريدريش الثاني، فقد أقسم يمين الوفاء أمام الأمير فخر الدين.

عقد السلام «بدون حرب وبدون استخدام أسلحة»، وعن طريق المفاوضات، وهذه المعاملة وهذه الأخلاق هي التي قربت وآخت بين ابن عم فريدريش الصقلي وهو الملك فلهلم الثاني الذي عرف المسلمين في مملكته واحترامهم وأحبهم من قبله، وإن لم يكن في درجة حب واحترام فريدريش الثاني.

وقد نجح فريدريش الثاني في كسب ما هو أهم وأعظم، كسب شيئًا لم ينجح فيه أحد قبله، ومن ثم طلب إلى هرمان فون سلزا أن يعلن عاليًا شكر الله في الأعالي وذلك بين مختلف وحدات الجيش. فقد أعلن القيصر هذا الخبر بين عدد قليل من رجاله، وقد علمت الشعوب بهذا الخبر واستغربت كيف استطاع القيصر فريدريش أن يوفق وينجح في جمع شمل أبناء الشعوب المختلفة والمؤاخاة بينهم. إن فريدريش قد نجح بفضل إرادته لا بقوته، لقد حقق فريدريش الثاني ما عجز عن تحقيقه سابقه وبمختلف الوسائل. .

<<  <   >  >>