وسواء كان المعنى: أنا أشبه أبا المنهال في بعض الأحيان، أو كان المعنى: أنا المغنى في بعض الأحوال، فإن الأمر لا يعدو أن يكون تشبيهاً على حد المبالغة كما يقول عبد القاهر، أو تشبيهاً بليغاً على حد تعبير المتأخرين.
فقوله:(كل غانية هند) يقول ابن جنى في معناها: "كل غانية غادرة، أو قاطعة، أو خائنة، أو نحو ذلك، وهذا مساو لقولنا: كل غانية مثل هند في غدرها، أو قطيعتها، أو خيانتها، وإلا لما أخبر عن كل غانية بأنها هند.
وهكذا يقال في:(والناس كلهم بكر إذا شبعوا)، وقوله:(كل فؤاد عليك أم) وقوله: (أنا أبو بردة).
فقول ابن جنى في "والناس كلهم بكر إذا شبعوا": أي: إذا شبعوا تعادوا وتغادروا، لأن بكراً هذا فعلها، مساو لقولنا: والناس كلهم إذا شبعوا مثل بكر في تعاديها، وتغادرها، وقوله في: "كل فؤاد عليك أم" أي: كل فؤاد عليك حزين، أو كئيب، مساو لقولنا: كل فؤاد حزين عليك كالأم عند المصيبة، أو نزول الشدة، وقوله في "أنا أبو بردة إذ جد الوهل" أي: أنا المغنى والمجدي عند اشتداد الأمر، مساو لقولنا: أنا مثل أبي بردة في غنائه عند اشتداد الأمر.
ويزيد الإمام عبد القاهر هذه النقطة وضوحاً، بأن الاسم إذا كان مجتلباً لإثبات معناه، أو نفيه؛ بأن كان خبراً عن مبتدأ، أو منزلاً منزلة الخبر، بأن كان خبراً لكان، أو مفعولاً ثانياً لباب علمت، ويكون - أيضاً - حالاً، فإنه في هذه الحال يكون إما لإثبات وصف هو مشتق منه لذلك المبتدأ، كالانطلاق في قولك (زيد منطلق) أو لإثبات جنسية هو موضوع لها، كقولك: هذا رجل، فإذا امتنع في قولنا:(زيد أسد)