للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تقدير المتنبي لابن جنى]

كان المتنبي يعرف قدر ابن جنى، ويجله، ويقول عنه: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس، وكان إذا سئل عن شيء من دقائق النحو والتصريف في شعره، يقول: سلوا صاحبنا أبا الفتح، وكان إذا سئل عن معنى قاله، أو توجيه إعراب، حصل فيه إعراب، دل عليه، وقال: عليكم بالشيخ الأعور، ابن جنى فسلوه فإنه يقول ما أردت، وما لم أرد (١).

وفي هذه الرواية ما يدلك على تقدير المتنبي لابن جنى، وعلى سعة علمه وتبحره في اللغة العربية، ومعرفته الواسعة بأساليبها، وأحاطته بمذاهب العرب في استعمالها.

وقد يفهم من قول المتنبي: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس: أن ابن جنى على سعة علمه، واحترام أولى الفضل له، واعترافهم بتقدمه، قد كان كثير من الناس لا يعرف له هذا الفضل، وربما كان عدم التقدير من هؤلاء راجعاً إلى أنهم كانوا ينفسون عليه مكانته التي وصل إليها بعلمه وفضله، وساعدهم على هذا، ما كان من طريقته وهو يتحدث، فقد كان من عادته - كما يقول ياقوت - أن يميل بشفتيه، وقد كان هذا موضع تندر من بعض الكتاب في ديوان آل بويه في بغداد بأبي الفتح؛ فقد أبصره، وهو يتحدث، ويفعل ما تعوده مما ذكرت فأثار فيه الكاتب النظر، فسأله أبو الفتح في ذلك فقال: شبهت مولاي الشيخ وهو يتحدث ويقول ببوزه كذا، يقر درايته اليوم عند صعودي إلى دار المملكة وهو على شاطئ دجله يفعل مثل ما يفعل مولاي الشيخ، فامتعض أبو الفتح،


(١) مسالك الأبصار ٤/ ٢٠٦
(٢ - الخصائص)

<<  <   >  >>