للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوم إذا الشر أبدي ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووجداناً

فيكون قوله تعالى: (يطير بجناحيه) على هذا مفيداً، أي ليس الغرض تشبيهه بالطائر ذي الجناحين، بل هو الطائر بجناحيه ألبته وكذلك قوله - عز وجل - "فخر عليهم السقف من فوقهم".

فقد يكون قوله تعالى: (من فوقهم) مفيداً، أي معنى جديداً، وذلك أنه قد يستعمل في الأفعال الشاقة المستثقلة، على قول من يقول: سرنا عشراً، وبقيت علينا ليلتان وقد حفظت القرآن وبقيت على منه سورتان، وقد صمنا عشرين من الشهر وبقيت علينا عشر، وكذلك يقال في الاعتداد على الإنسان بذنبوبه، وقبيح أفعاله: قد أخرب على ضيعني، وموت على عواملي، وأبطل على انتفاعي فعلي هذا لو قيل: فخر عليهم السقف، ولم يقل: من فوقهم، لجاز أن يظن به أنه كقولك: قد خربت عليهم ديارهم، وقد أهلكت عليهم مواشيهم وغلاتهم، وقد تلفت عليهم تجارتهم، فإذا قال: (من فوقهم) زال ذلك المعنى المحتمل، وصار معناه: أنه سقط وهم من تحته، وهذا معنى غير الأول (١).

[إفادة البلاغيين من هذا الباب]

هذا الباب أشار إليه - قبل ابن جنى - عبد الله بن المعتز، المتوفى سنة ٢٩٦ هـ، وسماه إعنات الشاعر نفسه، وجعله الثاني عشر من مسحنات الكلام في كتاب البديع؛ وهو عنده: أن لا يكتفي الشاعر يروي واحد؛


(١) الخصائص ٢/ ٢٧١

<<  <   >  >>