للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١ - السر في قوة التشبيه بأداته: (كأن)]

يعرض ابن جنى لهذا الموضوع بفلسفة في النظم لا نجدها عند غيره ممن سبقه من البلاغيين بل لعلها كانت نور هداية لمن أتى بعدهم؛ في معرفة الكثير من أسرار النظم؛ واستنطاق ما أنبهم من خفايا التراكيب.

فهو يبدأ ببيان السر في أن العرب قد عنيت بألفاظها؛ فأولتها صدراً صالحاً من تثقيفها. وإصلاحها؛ وهو: أن الألفاظ أزمة للمعاني، وأدلة عليها، وموصلة إليها، ومحصلة للمراد منها.

وفي خلال أمثلته التي يوردها دليلاً على عنايتهم بإصلاح اللفظ؛ يذكر أن من إصلاحهم للفظ قولهم: (كأن زيداً عمرو)؛ ويذكر أن أصل هذا الكلام: (زيد كعمرو)؛ ثم إنهم بالغوا في توكيد التشبيه؛ فقدموا حرفه إلى أول الكلام؛ عناية به، وإعلاماً أن عقد الكلام عليه، فلما تقدمت الكاف، وهي جارة، لم يجز إن تباشر (إن)؛ لأنها ينقطع عنها ما قبلها من العوامل؛ فوجب لذلك فتحها، فقالوا: كأن زيداً عمرواً (١).

[إفادة عبد القاهر من تلك المسألة]

ولقد أفاد عبد القاهر الجرجاني من تلك المسألة البلاغية التي مثل بها ابن جنى، وجعلها دليلاً على عناية العرب بإصلاح اللفظ، إفادة كبيرة؛ فلقد أطلق على ما أسماه ابن جنى: إصلاح اللفظ. عبارة التوخي في نظم اللفظ، وترتيبه، وبين على هدى مما قاله ابن جنى؛ في (زيد كعمرو) و (كأن زيداً عمرو) - أنه لا يكون لإحدى العبارتين مزية على الأخرى"


(١) الخصائص ١/ ٣١٧

<<  <   >  >>