عقد ابن جنى في كتابه "الخصائص" باباً للرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني؛ ولكنه لم يسم من ادعى هذا الادعاء.
وفي فاتحة هذا الباب يذكر أنه من أشرف فصول العربية وأكرمها، وأعلاها وأنزهها وأنك إذا تأملته عرفت منه وبه ما يؤنقك، ويذهب بك في الاستحسان له كل مذهب.
وذلك: أن العرب؛ كما تعني بألفاظها؛ فتصلحها، وتهذبها، وتراعيها، وتلاحظ أحكامها؛ بالشعر تارة، وبالخطب أخرى، وبالأسجاع التي تلتزمها، وتتكلف استمرارها؛ فإن المعاني أقوى عندها، وأكرم عليها، وأفخم قدراً في نفوسها.
فعناية العرب بالألفاظ إنما تكون من أجل المعاني، لأن المعاني عندها أكرم وأفخم، وأجل قدراً من الألفاظ، ولما كانت الألفاظ عنوان معانيها وطريقها إلى إظهار أغراضها. ومراميها، أصلحوها، ورتبوها وبالغوا في تحبيرها، وتحسينها، ليكون ذلك أوقع في السمع، وأذهب بها في الدلالة على القصد.
والدليل على ذلك: أن المثل إذا كان مسجوعاً، لذ لسامعه؛ فحفظه؛ فإذا هو حفظه كان جديراً باستعماله، ولو لم يكن مسجوعاً ما أنست النفس به، ولا أنفقت للاستماع إليه،
ثم يعود ليؤكد ما قاله من فضل المعاني على الألفاظ؛ فيقول: فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها، فيقول: فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها، وحسنوها، وحموا حواشيها وهذبوها، وصقلوا غروبها، وأرهفوها؛ فلا ترين أن العناية إذ ذاك إنما هي بالألفاظ،