وقد جاءت هذه المسألة البلاغية، التي تضمنت القصر عن طريق تقديم النكرة على الفعل في باب إصلاح اللفظ؛ إجابة على اعتراض افترضه ابن جنى يفيد أنه لا يبتدأ بالنكرة؛ وقد حكى عن العرب:(أمت في حجر لا فيك)، وقولهم:(شراهر ذا ناب)، وقولهم:(سلام عليك)، قال الله سبحانه وتعالى:(سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً) وقال: (ويل للمطففين) ونحو ذلك، والمبتدأ في جميع هذا نكرة مقدمة.
وأجاب ابن جنى بأن قوله:(سلام عليك) و (ويل له) و (أمت في حجر لا فيك) فإنه إنما جاز، لأنه ليس في المعنى خبراً، وإنما هو دعاء ومسألة؛ أي ليسلم الله عليك، وليلزم الويل، وليكن الأمت في الحجارة لا فيك، والأمت هو: الانخفاض والارتفاع، والاختلاف، قال الله عز وجل:"لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً" أي لاختلافاً، ومعناه. أبقاك الله بعد فناء الحجارة.
وأما قولهم (شراهر ذا ناب) فإنه إنما جاز الإبتداء فيه بالنكرة، لأن الكلام فيه عائد على معنى النفي، أي ما أهر ذا ناب إلا شر، وإنما جاء الكلام كذلك، لأن الخبرية عليه أقوى، لأنك لو قلت: أهر ذا ناب شر كنت قد أخبرت بخبر غير مؤكد ولكنك لو قلت: ما أهر ذا ناب إلا شر، كان ذلك أوكد.
والدليل على هذا: أن قولك: ما قام إلا زيد أوكد من قولك: قام زيد. وإنما احتيج إلى التوكيد في هذا الموضع، لأنه أمر مهم، لأن قائل