للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الإيجاز بالحذف]

جعل أبو الفتح ابن جنى موضوع الحذف داخلاً في باب أسماه "شجاعة" العربية"؛ وقد ضمنه الحذف، والزيادة، والتقديم والتأخير، والحمل على المعنى، والتحريف (١)

وقد أطلق أبو الفتح على تلك الأمور، شجاعة العربية. لأن الشاعر أو الأديب لا يتجشمها، إلا إذا كان واثقاً من مقدرته على الفصحى، وسيطرته عليها، فكان كالفارس الشجاع الذي يتحمل من المخاطر ما لا يتحمله غيره: وكانت تلك الأمور من الحذف والزيادة، والتقديم والتأخير وغيرها مظهراً من مظاهر شجاعته.

ويقرب من هذا المعنى ما قاله في "الفروق والفصول": فمتى رأيت الشاعر قد ارتكب مثل هذه الضرورات - على قبحها، وانخراق الأصول بها - فاعلم أن ذلك على ما جشمه منه، وإن دل من وجه على جوره وتعسفه، فإنه من وجه آخر مؤذن بصياله وتخمطه، وليس بقاطع على ضعف لغته ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته، بل مثله في ذلك عندي مثل مجرى الجموح بلا لجام ووارد الحرب الضروس حاسراً من غير احتشام فهو؛ وإن كان ملوما في عنفه وتهالكه، فإنه مشهود له بشجاعته وفيض منته، ألا تراه لا يجهل أن لو تكفر في سلاحه، أو أعصم بلجام جواده، لكان أقرب إلى النجاة. وأبعد من الملحاة؛ ولكنه جشم ما جشمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله؛ إدلالا بقوة طبعه. ودلالة على شهامة نفسه (٢)؟ ! "


(١) الخصائص ٢/ ٣٦٠
(٢) الخصائص ٢/ ٣٩٢

<<  <   >  >>