للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٨ - ومنه: قول الله تعالى: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" وذكر قبل ذلك الإنسان ولم يذكر الجان ثم ذكره.]

ثم ذكر من الحذف الردئ: قول الحرث بن حلزة:

والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممن عاش كدا

وإنما أراد: والعيش الناعم خير في ظلال الحمق من العيس الشاق في ظلال الجهل (١).

ولهذا فإن إمام البلاغة عبد القاهر الجرجاني ينوه بشأن الحذف قائلاً: هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، ونجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بياناً إذا لم تبن (٢)، بل إنه ليبلغ به الأمر من اقتنائه بهذا الباب إلى أن يقول: رب حذف هو قلادة الجيد، وقاعدة التجويد (٣)!

وهو لا يقف عند هذا الحد، بل إنه ليحاول أن يكشف القناع عن سر بلاغة الحذف، فيتساءل، هل الحذف مجاز؟ أم لا؟

ثم يتولى الإجابة بأن الكلمة كما توصف بالمجاز، لنقلك لها عن معناها، فقد توصف به لنقلها عن حكم كان لها، إلى حكم ليس هو بحقيقة فيها، ومثال ذلك أن المضاف إليه يكتسي إعراب المضاف في نحو قوله تعالى: "واسأل القرية" والأصل واسأل أهل القرية، فالحكم الذي يجب للقرية في الأصل وعلى الحقيقة هو الجر، والنصب فيها مجاز (٤).


(١) الصناعتين ١٩٥
(٢) دلائل الإعجاز ١١٢
(٣) دلائل الإعجاز ١١٦
(٤) أسرار البلاغة ٣٣٣

<<  <   >  >>