للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد أوجبت للناس مثل هذا التعمق في ترك الخطاب بالكاف، لكني تأملت أدب الشعراء والكتاب في هذا الموضع، فوجدت الخطاب لا يعاب في الشعر ويعاب في الكتابة، إذا كان المخاطب دون المخاطب درجة، وأما إن كان فوقه، فلا عيب في خطابه إياه بالكلف (١).

[الرد على ابن الأثير]

والرد على ابن الأثير - هنا - من وجوه:

الأول: أن ابن الأثير - هنا قد ناقض نفسه، لأنه قد وصف الرأي القائل بأنه من الأدب ألا تخاطب الملوك ومن يقاربهم بكاف الخطاب، بأنه غلط بارد، ثم تراجع عن هذا الرأي بقوله إلا أني قد راجعت نظري في ذلك ... ".

الثاني: أن ابن جنى لم يقل عبارة ابن الأثير، وهي: من الأدب ألا تخاطب الملوك ومن يقاربهم بكاف الخطاب": وإنما يصف مرحلة من مراحل تطور التعبير، وهي المرحلة، التي كانت فيها الكاف تحمل معنى الاسمية واستعيض عنها بالالتفات إلى الغيبة في مخاطبة الملوك بقوله:

(إن رأي الملك أدام الله علوه) و (نسأله حرس الله ملكه).

فلما خلعت عن هذه الكاف دلالة الاسمية، وجردت للخطاب جاز استعمالها، لأنها ليست باسم فيون في اللفظ به ابتذال، فلما خلصت هذه الكاف خطاباً البتة وعريت عن معنى الاسمية استعملت في خطاب الملوك وصح أن يقال في مدحهم للملك: لقينا بك الأسد، وسألنا منك البحر،


(١) المثل السائر ٣/ ١٨٧

<<  <   >  >>