(ما أهر ذا ناب إلا شر)، وبهذا عرف ابن جنى أن ما في العبارة إنما هو تأكيد بطريق القصر لأن الحال يقتضي التأكيد، وقد راعى المتكلم حال نفسه، أو حال المخاطب.
ولكن عبد القاهر كان أبعد نظراً من ابن جنى في هذه المسألة، فهو لم يقف على إفادة تقديم النكرة على الفعل القصر. وإنما رأى أن مثل هذا التقديم مفيد للواحد من الجنس، فإذا قلت رجل جاءني أي لا امرأة" كان قصدك إلى إفادته الجنس وإذا قلت: رجل جاءني أي لا رجلان، كان قصدك إلى إفادته الوحدة؛ فالقصر في قولهم:(شر أهر ذا ناب) أفاد قصر الفعل على جنس البشر؛ أي إن الذي أهر ذا ناب إنما هو من جنس الشر.
[٢ - الكناية بلفظ (مثل)]
وهذه المسألة البلاغية قد عرض لها ابن جنى من خلال رده على من يعتقدون زيادة (مثل) في نحو قولنا: (مثلي لا يأتي القبيح) و (مثلك لا يخفى عليه الجميل)؛ أي: أنا كذلك، وأنت كذلك، وعليه قوله:
مثلي لا يحسن قولا فعفع
أي: أنا لا أحسن ذاك.
وابن جنى لا ينكر أن يكون المعنى هو ما قدروه، وإنه لصحيح؛ ولكن تأويله غير الذي ذكروه من زيادة مثل؛ وإنما تأويله: أنا من جماعة لا يرون القبيح، وإنما جعله من جماعة هذه حالها، ليكون أثبت للأمر؛ إذ كان له فيه أشباه وأضراب؛ ولو انفرد هو به لكان غير مأمون انتقاله منه، وتراجعه عنه؛ فإذا كان له فيه نظراء كان جديراً بأن يثبت عليه وترسو قدمه فيه.