للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من طريق آخر غير كتاب الخصائص، لذكر ما قاله ابن جنى فيه - أيضاً - إلى جانب ما ذكره من هذا الطريق الآخر؛ لأنه كان بين يديه وهو يؤلف المثل السائر بدليل نقله ما سبق عنه.

ثالثاً: أن العبارات التي نسبها ابن الأثير لأبي علي الفارسي، إنما هي نفس عبارات ابن جنى التي نقل بها تصور أبي علي للتجريد، مع التصرف في بعض ألفاظها.

وقد أسلفنا لك عبارات ابن جنى التي لخص بها فهم أبي علي للتجريد، ونحن تنقل إليك فيما يلي نص ما قاله ابن الأثير الذي ادعى أنه وصله عن أبي علي الفارسي لتقف على صحة ما ذهبنا إليه من أن ابن الأثير قد نقله من خصائص ابن جنى.

يقول ابن الأثير: "وأما الذي ذكره أبو علي الفارسي - رحمه الله - فإنه قال: إن العرب تعتقد أن في الإنسان معنى كامناً فيه كأنه حقيقته ومحصوله فتخرج ذلك المعنى إلى ألفاظها، مجرداً من الإنسان كأنه غيره، وهو هو بعينه، نحو قولهم: لئن لقيت فلاناً، لتلقين به الأسد، ولئن سألته لتسألن منه البحر، وهو عينه الأسد والبحر، لا أن هناك شيئاً منفصلاً عنه، أو متميزاً منه ثم قال: وعلى هذا النمط: كون الإنسان يخاطب نفسه حتى كأنه يقاول غيره، كما قال الأعشى:

وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟ ... وهو الرجل نفسه، لا غيره (١)

ولعلك قد لاحظت أن ابن الأثير قد غير عبارة ابن جنى التي يبين بها معنى التجريد عند أبي علي الفارسي وهي قوله: "إن العرب قد تعتقد في الشيء من نفسه معنى آخر، كأنه حقيقته ومحصوله" (٢)، فجعلها هكذا: "إن


(١) المثل السائر ٢/ ١٧٤
(٢) الخصائص ٢/ ٤٧٤

<<  <   >  >>