للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إفادة البلاغيين من موضوع "الحذف"]

جعل ابن جنى - كما رأيت - موضوع الحذف تحت ما أسماه: "شجاعة العربية" (١)، وقد قصد بذلك أن الشاعر أو الأديب إذا ترك ما هو الأصل في الكلام، وهو الذكر وتجشم الحذف - بعد أن ينصب له قرينة تدل عليه، أو تدل عليه الحال - فهو إنما يعمد إلى ذلك لثقته التامة في معرفته بأسرار اللغة، وتمكنه من امتلاك ناصيتها، فاللجوء إلى الحذف، وإلى غيره مما ذكره ابن جنى مظهر من مظاهر الشجاعة في اللغة العربية!

ولهذا تنبع ما ورد عن العرب الفصحاء، ممن يعتد بلغتهم، ويحتج أقوالهم، ويستشهد بأشعارهم ونثرهم، وأثبت كثيراً مما جاء عنهم من حذف الجمل، أو المفردات أو الحروف!

وكان أبو هلال العسكري المتوفى سنة ٣٩٥ هـ معاصراً لابن جنى، فقسم المجاز إلى قسمين: إيجاز القصر وإيجاز الحذف، وعرف إيجاز القصر: بأنه: تقليل الألفاظ وتكثير المعاني، كما في قول الله تعالى، "ولكم في القصاص حياة" ووازن بين هذا القول الكريم، وبين قول العرب: (القتل أنفى للقتل) مبيناً أن الآية الكريمة تزيد على قول العرب في الفائدة وهي: أبانة العدل لذكر القصاص، وإظهار الغرض المطلوب بذكر الحياة، واستدعاء الرغبة والرهبة لحكم الله به، ولأنه أقل حروفاً، ولبعده عن الكلفة بالتكرير، وحسن التأليف، وشدة التلاؤم المدرك بالحس.


(١) الخصائص ٢/ ٣٦٠

<<  <   >  >>