للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٥ - الإفصاح عن فلسفة العرب في التعبير]

وذلك ما نجده في باب التجريد، الذي فهمه ابن جنى من خلال تتبعه لكلمات شيخه، أبي علي الفارسي، فأعجب به، وأفق له، ووجد أن العرب قد تعتقد، أن في الشيء من نفسه معنى آخر، كأن حقيقته، ومحصوله، وقد يجري ذلك إلى ألفاظها، لما عقدت عليه معانيها، وذلك في نحو قولهم؛ لئن لقيت زيداً، لتقين منه الأسد، ولئن سألته لتسألن منه البحر فظاهر هذا، أن فيه من نفسه أسداً وبحراً، وهو عينه الأسد، والبحر، لا أن هناك شيئاً منفصلاً عنه، وممتازاً منه وعلى هذا، يخاطب الإنسان منهم نفسه حتى كأنها تقاوله، أو تخاطبه، منه؛ قول الأعشى:

وهل تطبيق ودعاً، أيها الرجل؟ ! (١)

[٦ - الإفصاح عن السرفي تنوع طرقهم في التعبير]

وذلك هو ما تجده في باب الفرق بين الحقيقة، والمجاز، والذي بين فيه أن المجاز، إنما يقع، ويعدل إليه عن الحقيقة، لمعان ثلاثة، وهي: الاتساع، والتوكيد والتشبيه، فإن عدم هذه الأوصاف، كانت الحقيقة البتة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم - في الفرس-: "هو بحر"، فالمعاني الثلاثة موجودة فيه، أما الاتساع، فلأنه زاد في أسماء الفرس التي هي: فرس، وطرف، وجواد، ونحوها: البحر، وأما التشبيه: فلأن حريه يجري في الكثرة مجرى مائة، وأما التوكيد: فلأنه شبه العرض بالجوهر، وهو أثبت في النفوس منه، والشبه في العرض منتفية عنه.

وكذلك قوله تعالى: "وأدخلناه في رحمتنا" هو مجاز: وفيه الأوصاف


(١) الخصائص ٢/ ٤٧٣.

<<  <   >  >>