بأسمائها إعظاماً لها، إذ كان الاسم دليل المعنى، وجارياً في أكثر الاستعمال مجراه حتى دعا ذاك قوماً إلى أن زعموا، أن الاسم هو المسمى، فلما أرادوا إعظام الملوك وإكبارهم تجافوا، وتحانفوا، عن ابتذال أسمائهم التي هي شواهدهم، وأدلة عليهم، إلى الكناية بلفظ الغيبة. فقالوا:(إن رأى الملك - أدام الله علوه) و (نسأله - حرس الله ملكه -) ونحو ذلك، وتحاموا أن يقولوا:(إن رأيت) و (نحن نسألك).
ولكن لما خلعت عن هذه الكاف دلالة الاسمية، وجردت للخطاب ألبتة جاز استعمالها، لأنها ليست باسم، فيكون في اللفظ به ابتذال له، فلما خلصت هذه الكاف خطايا، ألبتة، وعربت عن معنى الاسمية استعملت في خطاب الملوك (١).
[إفادة ابن الأثير من هذه المسألة]
لم يسلم ابن جنى من نقد ابن الأثير في هذه المسألة، وإن كان ابن الأثير لم يصرح باسم ابن جنى - هنا - لضعف نقده. وتراجعه عنه. وحتى لا يقال عنه إنه نقل عن ابن جنى فكرة مخاطبة الملوك بما يليق بهم!
يقول ابن الأثير: واعلم أن للمدح ألفاظاً تخصه، وللذم ألفاظاً تخصه، وقد تعمق قوم في ذلك، حتى قالوا: من الأدب ألا تخاطب الملوك ومن يقاربهم بكاف الخطاب، وهذا غلط بارد، فإن الله الذي هو ملك الملوك قد خوطب بالكاف في أول كتابه العزيز، فقيل: إياك نعبد، وإياك نستعين" وقد ورد أمثال هذا في مواضع من القرآن غير محصورة. ثم يبدأ ابن الأثير في التراجع عن نقده هذا.
فيقول: إلا أني قد راجعت نظري في ذلك، فرأيت الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، والعوائد لا حكم لها، ولا شك أن العادة