ما رآه من هذا، وذهب إليه: ما عرفه وعرفناه معه: من أن العرب إذا شبهت شيئاً بشيء، مكنت ذلك الشبه لهما، وعمرت به الحال بينهما، ألا تراهم لما شبهوا الفعل المضارع بالاسم، فأعربوه، تمموا ذلك المعنى بينهما بأن شبهوا، اسم الفاعل بالفعل، فأعملوه (١)؟ !
[٣ - الدليل على صحة القضايا النقدية]
وذلك هو ما تجده في باب الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ، وإغفالها المعاني، حيث يستدل على عناية العرب بالمعاني قدر عنايتها بالألفاظ، وأن المعاني أكرم عندها، لأنها تعتني بالألفاظ، فتصلحها وتهذبها، وتراعيها، وتلاحظ أحكامها، بالشعر تارة، وبالخطب أخرى، والأسجاع التي تلتزمها، وتتكلف استمرارها، وما ذلك إلا من أجل المعاني لأن الألفاظ لما كانت عنوان معانيها وطريقاً إلى إظهار، أغراضها ومراميها أصلحوها، ورتبوها، وبالغوا في تحبيرها وتحسينها. ليكون ذلك أوقع لها في السمع، وأذهب بها في الدلالة على القصد، لأن المثل إذا كان مسجوعاً، لد لسامعه فحفظه، فإذا هو حفظه، كان جديراً باستعماله ولو لم يكن مسجوعاً، لم تأنس النفس به، ولا أنقت لمستمعه.
وبهذا يتبين مدى تأثير السجع في النفوس. ثم يخرج بالنتيجة، بعد إقامة الدليل. فيقول: فإذا رأيت العرب، قد أصلحوا، ألفاظها، وحسنوها، وحموا حواشيها، وهذبوها، وصقلوا غروبها، وأرهفوها، فلاترين العناية إذ ذاك، إنما هي بالألفاظ، بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني، وتنويه بها، وتشريف لها.