للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل مثله في ذلك - عندي - مثل مجرى الجموم بلا لجام، ووأرد الحرب الضروس حاسراً من غير احتشام هـ فهو - وإن كان معلوماً في عنقه وتهالكه - فإنه مشهود له بشجاعته، وفيض منته؛ ألا تراه لا يجهل، أن لو تكفر في سلاحه، أو اعتصم بلجام جواده، لكان أقرب إلى النجاة وأبعد عن الملجاة؟ لكنه جشم ما جشمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله، إدلالاً بقوة طبعه، ودلالة على شهامة نفسه؟ ! "

ثم يزيد ابن جنى هذا الأمر تأكيداً؛ وهو أن تلك الأمور السابقة، بما لا يقدح في فصاحة الشاعر، - وإن كانت تقدح في فصاحة الشعر - فيقول: "فاعرف بما ذكرناه حال ما يرد في معناه، وأن الشاعر، إذا أورد منه شيئاً، فكأنه لأنه بعلم غرضه وسفور مراده لم يرتكب صعباً، ولا جشم إلا أمماً؛ وافق بذلك قابلاً له، أو صادف غير آنس به، إلا أنه هو قد استرسل واثقاً، وبنى الأمر على أن ليس ملتبساً" (١).

[درجات القبح بين الفروق والفصول]

وأقبح الفروق إنما تكون بين المضاف والمضاف إليه؛ لشدة الاتصال بين المتضايفين؛ فكلما ازداد الجزآن اتصالاً، قوى قبح الفصل بينهما.

ويلي ذلك في القبح: الفصل بين الفعل والفاعل بالأجنبي؛ وإنما كان دون الأول؛ لجواز الفصل بينهما بالظرف، كما في قولك: كان فيك زيد رأعبا، وقبح الفصل بين المنضايفين، كما في نحو قول الفرزدق (٢):


(١) الخصائص ٢/ ٣٩٢
(٢) ديوان الفرزدق ١/ ٣٤٩

<<  <   >  >>