فعلي رأى القائلين بزيادة (مثل) لا يكون في العبارات السابقة كناية، ولكن فهم ابن جنى لطبيعة هذا الأسلوب، قد اطلعنا على ما فيه من كناية لطيفة إذ جعله من قوم لا يأتون القبيح ليكون أثبت للأمر الذي يريد وصفه به؛ وهو أنه لا يأتي القبيح؛ فله في هذا الأمر أشباه وأضراب؛ فليس بدعا في البعد عن القبيح؛ لأنها طبيعة قوم نشأ بينهم، وسار على هديهم.
[إفادة البلاغيين من هذه المسألة]
أفاد عبد القاهر من هذه المسألة في: ما يرى تقديم الاسم فيه كاللازم، ولكنه لم يغفل عما فيه من كناية، فقد بين طريق الكناية فيه؛ مهتدياً بطريقة ابن جنى، وهي بيان الصفة التي يراد إثباتها مصحوبة بالدليل على ثبوتها لمن يراد إثباتها له؛ فبين أن مما يرى تقديم الاسم فيه كاللازم (مثل) و (غير) في نحو قول أبي الطيب المتنبي:
مثلك يثنى المزن عن صوبه ... ويسترد الدمع عن غربه
وقول الناس:(مثلك رعى الحق والحرمة) وكقول الذي قال له الحجاج: لأحملنك على الأدهم، يريد القيد، فقال على سبيل المغالطة: ومثل الأمير يحمل على الأدهم، والأشهب، وما أشبه ذلك مما لا يقصد فيه بمثل إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه ولكنهم يعنون أن من كان مثله في الحال والصفة، كان من مقتضى القياس، وموجب العرف والعادة، أن يفعل ما ذكر، أو لا يفعل.