للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا قال أبو الطيب بعد هذا البيت:

ولم أقل: مثلك أعني به ... سواك؛ يا فرداً بلا مشبه

فأبو الطيب لا يعني بمثل غير الممدوج، وإنما أراده هو، على طريق الكناية وقد طبق عبط القاهر هذا على (غير)، إذا سلك بها هذا المسلك فقيل: غيري يفعل ذاك - على معنى أني لا أفعله، لا أن يومي بغير إلى إنسان فيخبر عنه بأنه يفعل ذلك:

ومثله قول المتنبي:

غيري بأكثر هذا الناس ينخدع

لأنه لم يرد أن يعرض بواحد كان هناك، فيصفه بأنه مضعوف، يغر ويخدع وإنما أراد: إني لست ممن ينخدع ويغتر.

وكذلك قول أبي تمام:

وغيري يأكل المعروف سحتا ... وتشحب عنده بعض الأيادي

فهو لم يعرض - مثلاً - بشاعر سواه، فيزعم أن الذي قرف به عند الممدوح، من أنه هجاه، كان ذلك من الشاعر "لا منه" فليس إلا أنه نفى عن نفسه أن يكون ممن يكفر النعمة ويلؤم.

فاستعمال (مثل) و (غير) - إذا جاءنا على هذا السبيل - شيء مذكور في الطباع، وجاء في عادة كل قوم (١)

وهكذا نجد أن عبد القاهر قد أفاد من تلك المسألة أن (مثل) إذا لم يرد بها غير ما أضيفت إليه، تقدم أبداً، وقاس (غير) على مثل، فأعطاها حكمها في التقديم، لأنها تأتي على طريقتها في الكناية


(١) دلائل الإعجاز ٩٣

<<  <   >  >>