للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلم يكن مقصد عبد القاهر - هنا - أن يتحدث عن الكناية - وإن جاء ذكرها تبعاً - ولكن ضياء الدين بن الأثير، قد عثر على ضالته - في الكناية - عندما قرأ كلام ابن جنى عن (مثل)، فنقل ما قاله، ولكن بتصرف في العبارة عنه ولم يشر على هذا النقل، فقال (١): ومن لطيف هذا الموضع وحسنه: ما يأتي بلفظه مثل: كقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح: (مثلي لا يفعل هذا)، أي أنا لا أفعله، فنفى ذلك عن مثله، ويريد نفيه عن نفسه، لأنه إذا نفاه عمن يماثله، ويشبهه، فقد نفاه عن نفسه لا محالة، إذ هو ينفى ذلك عنه أجدر وكذلك يقال: "مثلك إذا سئل أعطى" أي أنت إذا سئلت أعطيت؛ وسبب ورود هذه اللفظة في هذا الموضع: أنه لم يجعله من جماعة هذه أوصافهم، وتثبيتاً للأمر. وتوكيداً؛ ولو كان فيه وحده لقلق منه موضعه، ولم يرس فيه قدمه.

ولا يخفى عليك ما بين تلك العبارة التي أثبتناها لابن الأثير. وبين عبارة ابن جنى: "وإنما جعله من جماعة هذه حالها، ليكون أثبت للأمر، إذ كان له فيه أشياء وأضراب، ولو انفرد هو به لكان غير مأمون انتقاله منه، وتراجعه عنه، فإذا كان له فيه نظراء كان حرى أن يثبت عليه، وترسو قدمه فيه" (٢) ولكن ابن الأثلم لم يشر هنا إلى ما قاله ابن جنى!

ثم أورد ابن الأثير ما جاء منها في القرآن الكريم، وهو قول الله تعالى: "ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير" (٣)، مبيناً أن الفرق بين قوله: ليس كمثله شيء وبين قوله: ليس كالله شيء هو ما أشار إليه - من أنه إذا نفى الشيء عن مثله فقد نفاه عنه لا محالة - وإن كان الله سبحانه وتعالى، لا مثل له حتى يكون لمثله مثل. وإنما ذكر ذلك - على حد تعبيره - على طريق المجاز، قصداً للمبالغة.


(١) المثل السائر ٣/ ٦١
(٢) الخصائص ٣/ ٣١
(٣) الشورى ١١

<<  <   >  >>