للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد عرف أن قد أتاك آت، فإن لم ترد ذاك كان الواجب أن تقول، جاءني رجل، فتقدم الفعل.

وقولهم (شر أهر ذا ناب) إنما قدم فيه (شر)، لأن المراد أن يعلم أن الذي أهر ذا الناب من جنس الشر، لا من جنس الخير فجزى مجرى أن تقول: رجل جاءني، تريد أنه رجل لا امرأة.

ثم يقول عيد القاهر - وهو يعني ابن جنى-: وقول العلماء: إنه إنما يصلح لأنه بمعنى: (ما أهر ذا ناب إلا شر) بيان لذلك ألا ترى أنك لا تقول: ما أتاني إلا رجل إلا حيث يتوهم السامع أنه قد أتتك امرأة؟ !

وذلك لأن الخبر بنقض النفي يكون حيث يراد أن يقصر الفعل على شيء، وينفي عما عداه فإذا قلت: ما جاءني إلا زيد كان المعنى إنك قد قصرت المجيء على زيد، ونفيته عن كل من عداه، وإنما يتصور قصر الفعل على معلوم، ومتى لم يرد بالنكره الجنس لم يقف منها السامع على معلوم، حتى، يزعم أني أقصر له الفعل علي، وأخبره، وأنه كان منه دون غيره.

فتقدم النكرة على الفعل في قولهم (شراهر ذا ناب) يفيد قصر الفعل على جنس الشر.

فالنكرة إذن على أصلها، من كونها لواحد من الجنس، إلا أن القصد منك لم يقع إلى كونه واحداً في قولك: أرجل أتاك أم امرأة؟ وإنما وقع إلى كونه من جنس الرجال، وعكس هذا إذا قلت أرجل أتاك أم رجلان؟ كان القصد منك، إلى كونه واحداً، دون كونه رجلاً (١).

فابن جنى قد اكتشف من قولهم: (شر اهر ذناب) أنهم إنما قالوا ذلك لإصلاح اللفظ، ليفيد التأكيد، عن طريق القصر، لأن أصل اللفظ هو: (أهر ذا ناب شر)، فقدموا النكرة على الفعل، فأفاد التركيب معنى


(١) دلائل الإعجاز ٩٥

<<  <   >  >>