للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان تقدير المحذوف، لا يعلم إلا بما يدل عليه، فقد حدده الإمام بواحد من أمرين:

أحدهما: أن يكون الداعي إلى تقدير المحذوف أمراً يرجع إلى غرض المتكلم، كما في قولك: (سل القرية) - في غير التنزيل - فإنك لا تقطع بأن ههنا محذوفاً، لجواز أن يكون كلام رجل مر بقرية، قد خربت، وباد أهلها، فأراد أن يقول لصاحبه واعظاً، ومذكراً، أو لنفسه متعظاً ومعتبراً: سل القرية عن أهلها، وقل لها ما صنعوا؟ على حد قولهم: سل الأرض: من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تجبك حواراً، أجابتك اعتباراً.

والآخر: أن يكون الداعي إلى تقدير المحذوف، إنما هو الكلام نفسه، لأغرض المتكلم به وذلك: كان يكون المحذوف أحد جزئي الجملة، كالمبتدأ، في نحو قوله تعالى: "فصبر جميل" وقوله تعالى: "متاع قليل" فلا بد من تقدير محذوف، وذلك لأن الاسم الواحد لا يفيد، والصفة والموصوف حكمها حكم الاسم الواحد (١).

ثم ركز عبد القاهر على حذف المبتدأ، وحذف المفعول، وأخرج منهما طرائف، ولطائف لم يتطرق إليها ابن جنى، وإن كان ابن جنى صاحب فضل في الإشارة إلى أهمية موضوع الحذف من بين الأساليب العربية.

ومما يدلك على تأثر عبد القاهر بابن جنى في موضوع الحذف: أن ابن جنى - في حديثه عن حذف الفعل - قال: "وذلك نحو: زيداً


(١) أسرار البلاغة ٣٣٨

<<  <   >  >>