للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقدير أداة التشبيه فيه" فمأخوذ - أيضاً - من أسرار البلاغة لعبد القاهر؛ إذ جعل حسن دخول أداة التشبيه مفرقاً بين ما يرجح أن يكون تشبيهاً، وما يرجح أن يكون استعارة (١).

فلما رأى عبد القاهر بعد هذا النوع تشبيهاً على حد المبالغة ظن أنه أخرجه عن التجريد؛ فأخذ عنه هذا الرأي دون أن يشير إليه!

ثالثاً: أن أبا علي الفارسي لم يقل: "إن العرب تعتقد أن في الإنسان معنى كامناً فيه" فقد غير ابن الأثير - كما أسلفنا لك - عبارة ابن جنى، وهي: "إن العرب قد تعتقد في الشيء من نفسه معنى آخر، كان حقيقته ومحصوله" فجعل قوله "تعتقد أن في الإنسان" بدلاً من قوله "تعتقد في الشيء" ليتسى له الرد الذي أسلفناه؛ فكأنه اصطنع مبرراً للهجوم على أبي علي الفارسي؛ لكي يبدو، وكأنه قد فاقه في علمه!

على أن الذي أوحى له بهذا الرد هو ما قاله ابن جنى في نهاية هذا الباب: "وقد دعا تردد هذا الموضع (أي مخاطبة النفس) على الأسماع ومحادثته الأفهام، أن ذهب قوم، إلى أن الإنسان هو معنى متلبس بهذا الهيكل الذي يراه؛ ملاق له، وهذا الظاهر مماس لذلك الباطن، كل جزء منه منطو عليه، ومحيط به" (٢).

وهذا القول يعزى إلى الإمام مالك رضي الله عنه - وهو في الحقيقة لأتباعه - ففي جوهرة التوحيد:

ولا تخض في الروح إذ ما وردا ... نص من الشارع لكن وجدا

لمالك هي صورة كالجسد ... فحسبك النص بهذا السند (٣)


(١) أسرار البلاغة ٢٦٤
(٢) الخصائص ٢/ ٤٧٦
(٣) الخصائص (تعليق للشيخ محمد علي النجار) ٢/ ٤٧٦

<<  <   >  >>