كان أبو علي الفارسي بشيراز، وكان ممر المتنبي إلى دار عضد الدولة على دار أبي علي الفارس، وكان إذا مر به أبو الطيب يستثقله على قبح زيه، وما يأخذ به نفسه من الكبرياء؛ وكان لابن جنى هوى في أبي الطيب، كثير الإعجاب بشعره، لا يبالي بأحد يذمه، أو يحط منه، وكان يسوؤه إطناب أبي علي في ذمه؛ واتفق أن قال أبو علي يوماً: أذكروا لنا بيتاً من الشعر نبحث فيه؛ فبدأ ابن جنى وأنشد:
حلت دون المزار؛ فاليوم لوزر ... ت لحال النحول دون العناق
فاستحسنه أبو علي، واستعاده، وقال: لمن هذا البيت؟ فإنه غريب المعنى؛ فقال ابن جنى للذي يقول:
أزورهم، وسواد الليل يشفع لي ... وأنثنى، وبياض الصبح يغري بي
فقال: والله هذا حسن، بديع جداً؛ فلمن هذا؟ قال للذي يقول:
أمضى إرادته، فسوف له قد ... واستقرب الأقصى، فثم له هنا
فكثر إعجاب أبي علي، واستغرب معناه، وقال: لمن هذا؟ فقال ابن جنى: للذي يقول:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى
فقال: وهذا حسن والله؛ وقد أطلت يا أبا الفتح؛ فأخبرنا من القائل؟
قال: هو الذي لا يزال الشيخ يستثقله، ويشتقبح زيه، وفعله،