للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وابن جنى بهذا؛ قد نبه إلى الفرق بين المجاز العقلي وإن لم يسمه بهذا الاسم - وبين المجاز اللغوي.

ولعل هذا المثال الذي بحث ابن جنى ما فيه من مجاز؛ بتلك الطريقة التي رأيتها، كان خيط النور الذي اهتدى به عبد القاهر في بيان الفرق بين المجاز العقلي والمجاز اللغوي:

فكما أن ابن جنى قد بحث في هذا المثال من جهتين: جهة الفعل الذي أردت إثباته، وهو القطع، وجهة من وقع عليه القطع وهو اللص فكذلك بحث عبد القاهر المجاز والجملة من هاتين الجهتين! مبيناً أنه من حقك إذا أردت أن تقضي في الجملة بمجاز أو حقيقة، أن تنظر إليها من جهتين:

إحداهما: أن تنظر إلى ما وقع بها من الإثبات، هو في حقه وموضعه، أم قد زال عن الموضع الذي ينبغي أن يكون فيه؟

والثانية: أن تنظر إلى المعنى المثبت، يعني ما وقع عليه الإثبات، كالحياة في قولك: أحيا الله زيداً، والشيب في قولك: أشاب الله رأسي، أثابت على الحقيقة، أم قد عدل به عنها؟ .

ثم بين أنه إذا مثل لك دخول المجاز على الجملة من الطريقين عرفت إثباتها على الحقيقة منها.

فمثال ما دخله المجاز من جهة الإثبات قوله:

وشيب أيام الفراق مفارقي ... وأنشرن نفسي فوق حيث تكون

ومثال ما دخل المجاز في مثبته دون إثباته: قوله عز وجل: "أو من كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس"

<<  <   >  >>