للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن جنى: وكأنه شبه (لن) (بأن)، فكما جاز الفصل بين أن واسمها بالظرف في نحو قولك: بلغني أن في الدار زيداً، كذلك شبه (لن) مع الضرورة بها، ففصل بينها وبين منصوبها، بالظرف الذي هو: (ما رأيت أبا يزيد)، أي: مدة رؤيتي" (١).

وقد كان أبو الفتح ابن جنى معاصراً، لأبي الطيب المتنبي ومصاحباً له محباً لشعره، وقد وجد في شعره شيئاً مما ذكره في هذا الباب، وهو قوله:

وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه

فقال أبو الفتح ابن جنى:

"وذاكرت المتنبي شاعرنا نحواً من هذا، وطالبته به في شيء من شعره فقال: لا أدري ما هو، إلا أن الشاعر قد قال:

لسنا كمن حلت إياد دارها ... تكريت ترقب حبها أن يحصدا

فعجبت من ذكائه وحضوره، مع قوة المطالبة له حتى أورد ما هو في معنى الذي تعقبته عليه من شعره، وذكرنا ذلك لاتصاله بما نحن عليه، فإن الأمر يذكر للأمر" (٢).

ومعنى هذا البيت: لسنا كمن حلت دارها، ثم أبدل (إياد) من (حلت دارها) فإن حملته على هذا كان لحنا، لفصلك بالبدل بين بعض الصلة وبعض، وهذا خطأ في الصناعة، وإذا كان كذلك والمعنى عليه: أضمرت ما يدل عليه (حلت) فنصبت به الدار، فصار تقديره: لسنا كمن حلت إياد


(١) الخصائص ٢/ ٤١١
(٢) الخصائص ٢/ ٤٠٢، ٤٠٣

<<  <   >  >>