ثانياً: قد يستعمل هذا الباب في مقام المبالغة، فينعكس المعنى فيه إلى ضده كما جاء لأبي كرام التميمي من شعراء الحماسة:
لله تيم أي رمح طراد ... لاقى الحمام، وأي نصل جلاد
ومحش حرب مقدم متعرض ... للموت غير مكذب، حياد
فقد أراد الشاعر بلفظه (حياد) المبالغة في وصف شجاعة هذا الرجل فانعكس عليه المقصد، لأنه نفى كثرة الحيدودة عنه؛ فيكون بهذا حائداً وإذا وجدت منه مرة واحدة كان جبنا لا شجاعة. وكان الأولى أن يقول غير مذكب حائد.
ثالثاً: إذا وردت لفظة تحتمل التضعيف الذي هو طريق المبالغة، وتحتمل غيره، فإن اقتضى المقام حملها على المبالغة كان ذلك أولى.
رابعاً: إن قوة اللفظ لقوة المعنى، لا تستقيم إلا في نقل اللفظ من صيغة إلى صيغة أكثر منها، كنقل الثلاثي إلى الرباعي، وإلا فإذا كانت صيغة الرباعي مثلاً موضوعة لمعنى فإنه لا يراد به ما أريد من نقل الثلاثي إلى مثل تلك الصيغة وذلك كما في قول الله تعالى:"وكلم الله موسى تكليماً" فإن كلم على وزن قتل ولم يرد به التكبير، ومن هنا شذ قولهم في (عليم) إنه أبلغ من (عالم) لأن كلا منهما أربعة أحرف، وليس بينهما زيادة ينقل فيها الأدنى إلى الأعلى.