وقد وردت آيات كثيرة ظاهرة وواضحة تدل على عذاب القبر، دلالة لا يسع أي مسلم لديه حظ من علم وينطوي قلبه على اعتقاد صحيح أن ينكره أو يؤوله.
ومن هذه الآيات:
١ - قال تعالى عن فرعون وقومه الذين أغرقهم: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)} [غافر:٤٥ - ٤٦].
ففي هذه الآية: أنهم يعرضون على النار صباحًا ومساءً، أي: يعذبون فيها في هاتين الفترتين.
وقيل: يعرضون عليها مجرد عرض من غير دخول فيها، وهو عذاب مخفف؛ بدليل قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)} [غافر:٤٦].
ولو لم يكن هذا عذابًا لهم لم يذكره في سياق العقوبة العظيمة التي حاقت بهم في برزخهم.
٢ - قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣)} [الأنعام:٩٣].
وهذه الآية صريحة في عذاب الكفار في قبورهم؛ حيث إنه يحصل لهم هذا الضرب على وجوهم وأدبارهم، وهذه الإهانة والخزي لهم عند إدبارهم من الدنيا وإقبالهم على الآخرة. ولا يحصل لهم هذا في حال حياتهم؛ بدليل قوله: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:٩٣]، أي: اليوم قبل البعث تجزون هذا العذاب المهين لكم.
٣ - قال تعالى عن قوم نوح - عليه السلام -: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح:٢٥]، أي: أغرقهم الله تعالى بالطوفان فأدخلهم النار مباشرة؛ لأن الفاء تدل على التعقيب المباشر، وليس على التراخي.
٤ - قال تعالى عن قوم لوط: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤)} [الحجر:٧٤]، أي: قلب الله عليهم الأرض التي كانوا عليها حتى صار عاليها سافلها، فقتلهم بذلك، ثم أتبعهم بحجارة من سجيل منضود عذابًا لهم في برزخهم. ولو لم تكن هذه الحجارة عذابًا لهم بعد موتهم لكان ذكرها من باب العبث -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا-.
٥ - قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠)} [الأنفال:٥٠].
ومعناها كآية الأنعام: أن هذا الضرب والإهانة هو عند خروجهم من الدنيا وقبل البعث.
وهذا هو نوع من عذاب القبر؛ لأنه لا يحصل لهم مثل هذا في حياتهم.
٦ - قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧)} [محمد:٢٧].