للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال: نعم فقد خالف الإجماع على تحريم ذلك، إلا من شذ من الخوارج. قال القرطبي في تفسيره: «وهذا الحديث - (لَا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ المَرْأَةِ وَخَالَتِهَا) (١) - مجمع على العمل به في تحريم الجمع بين من ذكر فيه بالنكاح، وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها وخالتها. ولا يعتد بخلافهم؛ لأنهم مرقوا من الدين وخرجوا منه، ولأنهم مخالفون للسنة الثابتة» (٢).

وإن قال: إنه لا يجوز الجمع بينهما فقد قال لزامًا بتقييد السنة للقرآن.

ثالثًا: ومع كون السنة تقيد مطلق القرآن فإنها كذلك: تفصل مجمله، وتخصص عامه، كما يلي:

١ - تفصيل السنة لمجمل القرآن.

ومن ذلك: الصلوات الخمس، فقد فصلت: عددها، وهيئاتها، وأوقاتها، وأركانها، وأذكارها، والقراءة فيها. وكل ذلك منصوص عليه في السنة، وليس في القرآن.

ولعل هذا المشكك أن يقول: هذه سنة عملية، وأنا أقول بها، فحينئذ يقال له: لا فرق بين السنة العملية والقولية، ومن يفرق بينهما لا دليل عنده إلا الهوى، وذلك من علامات أهل البدع والضلال.

٢ - تخصيص السنة للعام في القرآن.

ومن ذلك: تخصيصها لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:١١]. فقد خصصته السنة بعدة مخصصات، وهي:

أ- خصت السنة المورث بغير الأنبياء - عليهم السلام -، فعن أبي بكر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) (٣). متفق عليه.

ب- خصت الوارث بغير الكافر، فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلَا الكَافِرُ المُسْلِمَ) (٤).

وهذا إجماع عند العلماء إذا كان المورث مسلمًا (٥)، وأما إن كان المورث كافرًا والوارث مسلمًا فلا


(١) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها (٧/ ١٢)، رقم (٥١٠٩)، وصحيح مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح (٢/ ١٠٢٨)، رقم (١٤٠٨). من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) تفسير القرطبي (٥/ ١٢٥). وقال المحشي: إن ما ذكره القرطبي عن الخوارج لا يصح عنهم.
(٣) صحيح البخاري وصحيح مسلم. وقد تقدم.
(٤) صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (٨/ ١٥٦)، رقم (٦٧٦٤)، وصحيح مسلم، كتاب الفرائض، ولم يذكر له بابًا (٣/ ١٢٣٣)، رقم (١٦١٤).
(٥) الكافر لا يرث المسلم بالإجماع، وممن حكى الإجماع على ذلك:
١ - ابن قدامة، حيث قال: «أجمع أهل العلم على: أن الكافر لا يرث المسلم». المغني لابن قدامة (٦/ ٣٦٧).
٢ - النووي، حيث قال: «وأجمعوا أن الكافر لا يرث المسلم». شرح صحيح مسلم للنووي (٩/ ١٢١).
وقال النووي أيضًا: «أجمع المسلمون على: أن الكافر لا يرث المسلم». المصدر السابق (١١/ ٥٢).

<<  <   >  >>