للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: ليس بمستنكر في العقل ولا العرف ولا الواقع أن يقترض الغني لسبب من الأسباب، كتأخر الحصاد مثلًا، أو نفاد محصوله، أو ضخ رأس ماله كله في مشروع تجاري، أو إنفاق جميع ما معه من أموال في وجوه الخير، كما هو حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونحو ذلك.

وهذه الدول الكبرى الغنية لم تزل ولا تزال تقترض لسد العجز الحاصل في ميزانيتها، ولا لوم عليها في ذلك. ولم يشنع عليها أحد لأجل ذلك كما شنع هذا المشكك.

ثالثًا: ليس في الاقتراض أي عيب على الشخص حتى ولو كان غنيًا، وكذلك أيضًا ليس فيه أي عيب إذا اقترض من غير بني جنسه خاصة إذا كان في مقابل رهن، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لأنه:

١ - مما جرى به العرف بين الناس.

٢ - أنه قائم على السداد ولو بعد حين.

وإذا لم يسدد المقترض لعجز أو موت فإن الدائن يملك الرهن شرعًا وعرفًا وقانونًا.

رابعًا: أما كون النبي - صلى الله عليه وسلم - اقترض من يهودي وليس من مسلم فلعله لم يكن عند المسلمين بغيته من الطعام في ذلك الوقت، أو لعله من باب تقريب اليهودي إلى الإسلام. وفوق كل ذلك فعله لبيان الجواز في هذا النوع من المعاملة وغيرها مع أهل الكتاب.

خامسًا: ذكر ابن حجر في "الفتح" عن ابن الطلاع في كتابه "الأقضية النبوية": «أن أبا بكر افتك الدرع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -» (١).

ثم قال بعد ذلك: «لكن روى ابن سعد (٢) عن جابر: (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَضَى عِدَاتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنَّ عَلِيًّا قضى دُيُونه) (٣)» (٤). وكل ذلك محتمل.


(١) فتح الباري لابن حجر (٥/ ١٤٢).
(٢) يعني: في الطبقات الكبرى.
(٣) ولفظ الحديث عند ابن سعد: عن جابر - رضي الله عنه - قال: (قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَضَى أَبُو بَكْرٍ عِدَاتِهِ). الطبقات الكبرى لابن سعد (٢/ ٢٤٣).
(٤) فتح الباري لابن حجر (٥/ ١٤٢).

<<  <   >  >>