للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ذكر رواية أخرى لحديث: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ) أخرجها الإمام أحمد وانفرد بها كما قال، ثم قال: «فالذي بعثه الله بالسيف وجعل رزقه تحت ظل رمحه لا يكون إلا زعيم عصابة، ولا يمكن لرسول بعثه الله رحمة للعالمين لأن (١) يقول هذا الهراء»؟

والجواب:

أولًا: قوله: «وأورده النووي في كتابه الشهير "شرح الأربعين النووية"» الخ هذا وهم من هذا المشكك أو جهل منه، فإني لا أعلم أن النووي له شرح على كتابه "الأربعين"، وإنما الذي قام بشرحه هم بعض العلماء المتقدمين والمتأخرين، ومنهم: ابن رجب الحنبلي، وابن دقيق العيد، وابن عثيمين، وصالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وغيرهم.

ثانيًا: قوله: «ومن أعظم الإفك» الخ كبرت كلمة تخرج من فيه الأفاك الكذاب، وصدره الممتلئ غيظًا وحقدًا على السنة النبوية ورواتها. وأقسم بالله تعالى إنْ الأفاك والكذاب إلا هو.

ثالثًا: كلمة (النَّاسَ) في الحديث فسرها شراح الحديث كالقاضي عياض والخطابي والنووي وغيرهم بأن المراد بهم هم: أهل الأوثان والشرك دون أهل الكتاب (٢)؛ وذلك:

١ - أن هؤلاء -أعني: أهل الكتاب- يقولون: لا إله إلا الله، بخلاف أهل الأوثان، فإنهم لا يقولونها.

٢ - أنه يقبل من أهل الكتاب الجزية ويكف عنهم ولو بقوا على كفرهم، بخلاف أهل الشرك، فإنه لا يقبل منهم إلا الإيمان أو يقاتلون.

وتفسير (النَّاسَ) في الحديث بما ذكر لا يعني عدم قتال غيرهم من أهل الملل الكافرة بمن فيهم أهل الكتاب إذا لم يعطوا الجزية أو إذا نقضوا عهدهم. ويدل على ذلك:

١ - قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود في: بني قريظة، وبني قينقاع، وبني النضير، وفي خيبر.

٢ - قتاله - صلى الله عليه وسلم - للروم النصارى في: مؤتة، وتبوك.

٣ - قتال أصحابه - رضي الله عنهم - من بعده لجميع أهل هذه الملل.

٤ - قتال الصحابة - رضي الله عنهم - للمجوس في القادسية وغيرها.


(١) كذا في المنشور.
(٢) قال الخطابي: «إنما هم أهل الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله ثم أنهم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف». معالم السنن للخطابي (٢/ ١١).
وقال القاضي عياض: «المراد بهذا: مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يقر بالصانع ولا يوحده، وهم كانوا أول من دُعي إلى الإسلام وقُوتل عليه، فأما غيره ممن يقر بالتوحيد والصانع فلا يُكتفى في عصمة دمه بقوله ذلك؛ إذ كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده». إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (١/ ٢٤٦).
ونقل الإمام النووي كلام الخطابي والقاضي عياض مقرًا لهما. شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ٢٠٦ - ٢٠٧).

<<  <   >  >>