للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قال القاضي عياض: «واختصاصه ذلك -يقصد: عصمة المال والنفس- بمن قال: "لا إله إلا الله" تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بهذا: مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يقر بالصانع ولا يوحده، وهم كانوا أول من دُعي إلى الإسلام وقُوتل عليه، فأما غيره ممن يقر بالتوحيد والصانع فلا يُكتفى في عصمة دمه بقوله ذلك؛ إذ كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده، فلذلك جاء في الحديث الآخر: (وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ) (١)» (٢).

وأقر النووي القاضي عياضًا على ما ذكر، وزاد: «قلت: ولا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما جاء في الرواية الأخرى لأبى هريرة -هي مذكورة في الكتاب-: (حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ) (٣)» (٤).

فهؤلاء الأئمة مع كونهم فسروا (النَّاسَ) بأهل الشرك والأوثان، إلا أنهم أوجبوا قتال غيرهم من أهل الكتاب والملل الأخرى وإن كانوا يتلفظون بكلمة التوحيد حتى يؤمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبشرعه.

وشاهد هذا من كتاب الله تعالى:

١ - قال - جل وعلا -: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦)} [النساء:٧٦].

٢ - قال تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢)} [التوبة:١٢].

٣ - قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)} [التوبة:٢٩].

رابعًا: حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ) إلخ معناه: أنه بعث بالجهاد في سبيل الله تعالى الذي فرضه الله في كتابه، كما تقدم ذكر بعض الآيات في ذلك.


(١) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ). سنن ابن ماجة، المقدمة، باب في الإيمان (١/ ٢٧)، رقم (٧١)، وسنن النسائي، كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد (٦/ ٦)، رقم (٣٠٩٤). وهو في سنن النسائي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. وقال الألباني: «صحيح متواتر». صحيح سنن ابن ماجة للألباني (١/ ٤١)، رقم (٥٩).
(٢) إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (١/ ٢٤٦).
(٣) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ). صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله (١/ ٥٢)، رقم (٢١).
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي (١/ ٢٠٧).

<<  <   >  >>