للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب:

أولًا: استدل هذا المشكك بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - السابق على عدم وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثًا. وهو من تناقضاته الكثيرة؛ إذ كيف يستدل علينا بما لا يؤمن به وما يعتقده مكذوبًا على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟! هذا لا يقبل في العقل ولا في الشرع.

والعجب من هذا المشكك أن يتحول منافحًا عن الحديث لأنه يوافق فهمه فقط، في الوقت الذي يشن فيه حملة شعواء على الصحيحين وغيرهما من كتب السنة، ويتهمها بالدجل والكذب، وغير ذلك من عبارات الحط والتشكيك!

ثانيًا: أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد كان معروفًا في الجاهلية وعلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومما يدل على ذلك:

١ - في الصحيحين من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - في قصة ملاعنة عويمر العجلاني زوجته عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال سهل - رضي الله عنه -: (فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -) (١).

مما يدل على: أن هذا الطلاق كان متداولًا بينهم، وكان تبين به الزوجة، ولذلك فعله عُويمر - رضي الله عنه -، ولم يستشر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه.

٢ - فعل ركانة - رضي الله عنه -، فعن عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده: (أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ بِهَا؟ قَالَ: وَاحِدَةً، قَالَ: آللَّهِ مَا أَرَدْتَ بِهَا إِلَّا وَاحِدَةً؟ قَالَ: آللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهَا إِلَّا وَاحِدَةً، قَالَ: فَرَدَّهَا عَلَيْهِ) (٢).

ووقوع الطلاق بذلك ثلاثًا وبينونة المرأة به بينونة كبرى هو قول أكثر السلف والخلف، حتى ادعى بعضهم الإجماع عليه. قال القرطبي في تفسيره: «واتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة. وهو قول جمهور السلف.

وشذ طاوس وبعض أهل الظاهر إلى: أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة» (٣).


(١) صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب من أجاز طلاق الثلاث (٧/ ٤٢)، رقم (٥٢٥٩)، وصحيح مسلم، كتاب اللعان، ولم يذكر له بابًا (٢/ ١١٢٩)، رقم (١٤٩٢).
(٢) مسند أحمد (٣٩/ ٥٣٢)، رقم (٩٢)، وسنن الدارمي، كتاب الطلاق، باب في طلاق البتة (٣/ ١٤٥٩)، رقم (٢٣١٨)، وسنن ابن ماجة، كتاب الطلاق، باب طلاق البتة (١/ ٦٦١)، رقم (٢٠٥١)، وسنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب في البتة (٢/ ٢٦٣)، رقم (٢٢٠٦)، وسنن الترمذي، أبواب الطلاق واللعان، باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتة (٣/ ٤٧٢)، رقم (١١٧٧). وقال الألباني: «ضعيف». ضعيف سنن ابن ماجة للألباني (ص:١٥٧)، رقم (٣٩٧).
(٣) تفسير القرطبي (٣/ ١٢٩).

<<  <   >  >>