للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بن دقيق العيد: الأول أولى؛ لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله باتباع رسوله (١).

قيل: وفيما قال نظر؛ لاحتمال أن يكون المراد ما تضمنه قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥)} [النساء:١٥]. فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن السبيل: جلد البكر ونفيه، ورجم الثيب. قلت (٢): وهذا أيضًا بواسطة التبيين.

ويحتمل أن يراد بكتاب الله: الآية التي نسخت تلاوتها، وهي: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما" ... وبهذا أجاب البيضاوي، ويبقى عليه التغريب.

وقيل: المراد بكتاب الله: ما فيه من النهي عن أكل المال بالباطل؛ لأن خصمه كان أخذ منه الغنم والوليدة بغير حق، فلذلك قال: (الغَنَمُ وَالوَلِيدَةُ رَدٌّ عَلَيْكَ).

والذي يترجح: أن المراد بكتاب الله: ما يتعلق بجميع أفراد القصة مما وقع به الجواب الآتي ذكره» (٣).

قلت: والذي يترجح لي: أن المراد بكتاب الله في هذه القصة هو: القرآن والسنة، ففيهما أمر الله وحكمه وما كتبه على عباده والأمر باتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وطاعته، وجلد البكر والنهي عن أكل المال بالباطل، وفي السنة وحدها نفي الزاني غير المحصن ورجم الزاني المحصن، والآية المنسوخة الواردة في رجمه قد ثبتت بالسنة، ولم تثبت قرآنًا.

٢ - حديث عائشة - رضي الله عنها -: (أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا، فَأَبَوْا وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي؛ فَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ) (٤).


(١) نص كلام الإمام ابن دقيق العيد: «قوله: (إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ) تنطلق هذه اللفظة على القرآن خاصة، وقد ينطلق "كتاب الله" على حكم الله مطلقًا. والأولى حمل هذه اللفظة على هذا؛ لأنه ذكر فيه التغريب، وليس ذلك منصوصًا في كتاب الله، إلا أن يؤخذ ذلك بواسطة أمر الله تعالى بطاعة الرسول واتباعه». إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (٢/ ٢٣٧ - ٢٣٨).
ولفظة الحديث التي ذكرها ابن دقيق العيد في كلامه السابق - (إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ) - فأخرجها في: صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب هل يأمر الإمام رجلًا فيضرب الحد غائبًا عنه (٨/ ١٧٦)، رقم (٦٨٥٩). وهي في صحيح مسلم بلفظ: (إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللهِ). صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى (٣/ ١٣٢٤)، رقم (١٦٩٧).
(٢) القائل: ابن حجر.
(٣) فتح الباري لابن حجر (١٢/ ١٣٨).
(٤) صحيح البخاري، كتاب المكاتب، باب ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله (٣/ ١٥٢)، رقم (٢٥٦١)، وصحيح مسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق (٢/ ١١٤١)، رقم (١٥٠٤).

<<  <   >  >>