للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلًا، فمعاوية - رضي الله عنه - أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسلمة الفتح أو أسلم قبل ذلك بقليل، وقد قال الله تعالى في أصحاب نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذين أسلموا وأنفقوا قبل الفتح وبعده: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:١٠].

ثانيًا: أنه - رضي الله عنه - أحد كتبة الوحي بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن - عليه الصلاة والسلام - يعهد بذلك إلا لأمين، وولاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الشام بعد موت أخيه يزيد - رضي الله عنه -، ولم يزل واليًا عليها حتى وفاة عمر - رضي الله عنه -، ثم أقره عثمان - رضي الله عنه - عليها مدة خلافته كلها، ثم استقل بالخلافة بعد مقتل علي - رضي الله عنه - وتنازُل الحسن - رضي الله عنه - له سنة إحدى وأربعين، وبايعه الصحابة - رضي الله عنهم -، فسُمي ذلك العام: "عام الجماعة".

ثالثًا: أنه - رضي الله عنه - عند فريق من أهل السُّنَّة -كما تقدم- خال المؤمنين؛ لكون أخته أم حبيبة - رضي الله عنها - إحدى أمهات المؤمنين.

رابعًا: قال ابن تيمية عنه في مواضع من فتاويه: «إن إيمانه ثابت بالنقل المتواتر والإجماع، وإنه ممن حَسُن إسلامه، وإنه هو ومسلمة الفتح دخلوا في عموم قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:٢٦]. -أي: أنه من المؤمنين-.

ودخلوا في قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:١٠]، وفي قوله: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:١٠٠].

وأنه لم يتهمه أحد بنفاق، ولو كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتخوف النفاق منه لم يوله، وأنه أول ملوك المسلمين وأفضلهم باتفاق العلماء، وكانت رعيته تشكر سيرته، وخلافته شابها الملك، ولكنه كان ملكًا ورحمة، وليس ذلك قادحًا فيها، وإن جميع علماء الصحابة والتابعين متفقون على أنه صادق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مأمون عليه في الرواية عنه» (١).


(١) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٣٦/ ٥٦ - ٥٧).

<<  <   >  >>