للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول صاحب الرسالة: «كيف يجامع نساءه الإحدى عشرة أو التسع -كما في رواية أخرى-، وهو الذي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى أن يأتي الرجل امرأته كالحيوان، ينزو عليها بدون أن يجعل لذلك مقدمات من تقبيل وغيره؟ فلا بدَّ من زمن يستغرق في قضاء حاجته» في غاية في الجهل والحماقة، فما الذي أدراه أن مثل هذا الطواف لا يحصل معه تقبيل ولا ملاعبة، أطَّلع الغيب أم كان شاهدًا أم إنه التخرص والقول بلا علم؟

خامسًا: لم يبق عندي أيُّ شك بعد قراءتي لتعليقه على هذا الحديث بأنه جاهل بكلِّ ما تعنيه هذه الكلمة؛ حيث اتضح أنه لا يفرِّق بين الغسل والوضوء، وقد جاء ذلك مبينًا في اعتراضه على رواية أنس - رضي الله عنه - السابقة الدالة على أن طوافه - صلى الله عليه وسلم - على نسائه كان بغسل واحد حين قال: "كيف يحصل مثل ذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) (١) "؟ فالأمر النبوي هنا هو بالوضوء، وليس بالغسل. وكلُّ مسلم مكلَّف يعرف الفرق بينهما ضرورة. واستدلال صاحب الرسالة به على الغسل مع وضوحه أنه في الوضوء أمرٌ غاية في الغرابة! ولا يكاد يصدر من مبتدئ، فضلًا عن متصدر ومدَّعٍ للعلم ومتشبع بما لم يعط!

أضف إلى ذلك: أن ابن حجر نقل الإجماع عن أهل العلم على أن الغسل لا يجب بين الجماعين، وأن الوضوء مستحب بينهما عند الجمهور، إلا عند أهل الظاهر وابن حبيب المالكي فإنه يجب، وذكر أن مما يدلُّ على عدم وجوبه: ما رواه الطحاوي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُجَامِعُ ثُمَّ يَعُودُ وَلَا يَتَوَضَّأُ) (٢) (٣).


(١) مسند أحمد ومستخرج أبي عوانة ومسند الشاميين للطبراني، وصححه محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون- في حاشية مسند أحمد. وقد تقدم.
(٢) شرح معاني الآثار للطحاوي، كتاب الطهارة، باب الجنب يريد النوم أو الأكل أو الشرب أو الجماع (١/ ١٢٧)، رقم (٧٧٤)، وناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين، الخلاف في ذلك -أي: الخلاف في الوضوء لمن أراد أن يعود وفي نسخه- (ص:١٤٤)، رقم (١٤٩). وقال في "أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للإمام الدارقطني" -لابن القيسراني-: «تفرد به معاذ بن فضالة عن يحيى بن أيوب عن موسى بن أيوب -كذا: موسى بن أيوب، والصواب: موسى بن عقبة- وأبي حنيفة عن أبي إسحاق الهمداني عن الأسود». أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للإمام الدارقطني لابن القيسراني (٥/ ٤١٦)، رقم (٥٨٩٩).
(٣) انظر: فتح الباري لابن حجر (١/ ٣٧٦ - ٣٧٧).

<<  <   >  >>