للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادسًا: أن اتهام الرواة الثقات بوضع الحديث هو من الزور والبهتان العظيم عليهم، وهذا أمره إلى الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلَّا من أتى الله بقلب سليم.

ويلزم صاحب الرسالة على اتهامه لهم بذلك عقلًا أن يرد حديثهم كله من غير استثناء؛ لكونهم قد حكم عليهم جميعًا بالكذب. وأما أن يقبل من حديثهم ما يحب ويرد منه ما يكره فهو الذي لا أجد له تفسيرًا عندي إلا الرفض ونصرة المذهب.

ومما ردَّه من حديثهم واتهمهم بأنهم وضعوه على النبي - صلى الله عليه وسلم -: الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر - رضي الله عنه -: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى امْرَأَةً فَأَتَى امْرَأَتَهُ زَيْنَبَ وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا -أي: تدلك جلدًا وتدبغه-، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ) (١).

وفي رواية: (إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ) (٢).

فلقد اعتبر دعي العلم أن هذا الحديث موضوع؛ لأنه -حسب زعمه- يصوِّر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا شهوانيًا.

وأتساءل كما تساءلتُ من قبل:

- هل وجود الشهوة في النبي - صلى الله عليه وسلم - تزري بمنصبه وتحط من قدره وقدسيته كما يقول؟ كيف يكون ذلك وقد أخبرنا الله تعالى بأنه بشر مثلنا، أي: أنه يأكل ويشرب ويمرض ويأتي الغائط ويتزوج النساء مثلنا.

- ثم يقال لهذا الغالي: هل تزوجه - صلى الله عليه وسلم - للنساء كان عن شهوة أو لا؟ فإن قال: كان عن شهوة فقد وصفه هو الآخر بأنه شهواني -وأقول هذا من باب الإلزام للخصم-.

وإن قال: كان عن غير شهوة فما صدق؛ للآتي:

١ - أنه لا يتصور أن يتزوج رجل امرأة ويطؤها وتلد له وكلُّ ذلك منه بغير شهوة.

٢ - أن القرآن والسُّنَّة والفطرة كلها تشهد ببشرية النبي - صلى الله عليه وسلم - ورغبته في النساء، ومن ذلك:

أ- قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠].

ب- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (حُبِّبَ إِلِيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ: النِّسَاءُ وَالطِّيبُ) (٣).


(١) صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها (٢/ ١٠٢١)، رقم (١٤٠٣).
(٢) المصدر السابق، نفس الكتاب والباب والجزء والصفحة، تحت رقم (١٤٠٣).
(٣) السنن الكبرى للبيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته. وقد تقدم.

<<  <   >  >>