للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج- عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) (١).

وبعد هذا لعل سائلًا أن يتساءل عن الحكمة في فعله - صلى الله عليه وسلم - هذا مع استغنائه عنه - صلى الله عليه وسلم -، وقد أجاب عن ذلك العلماء، وبيَّنوا الحكمة في ذلك، ونقلها عنهم الإمام النووي فقال: «قال العلماء: إنما فعل هذا بيانًا لهم -أي: للرجال- وإرشادًا لما ينبغي لهم أن يفعلوه -أي: عند رؤية المرأة المحركة للشهوة-، فعلَّمهم بفعله وقوله» (٢).

سابعًا: أن كثرة النساء من الزوجات والإماء في حدود الشرع ليس مجونًا، كما يسميه صاحب الرسالة، وتسميته بذلك اعتراض على تشريع الحكيم العليم الذي أباح من الزوجات أربعًا ومن الإماء من دون حد، قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣)} [النساء:٣].

ثامنًا: أن مباشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لنسائه زمن الحيض حق، وقد كان يجعل بينه وبين فروجهنَّ حائلًا، كما دلَّت عليه الأحاديث الكثيرة. وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - بيان لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:٢٢٢]؛ لـ (أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ) (٣).

وقد أجمع المفسِّرون على أن معنى الآية هو: الأمر باعتزال جماعهنَّ في وقت الحيض لا غير. قال القرطبي: «ومقصود هذا النهي: ترك المجامعة.

وقد اختلف العلماء في مباشرة الحائض وما يستباح منها، فرُوي عن ابن عباس وعبيدة السلماني: (أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زوجته إذا حاضت) (٤)» (٥). ثم قال القرطبي معلقًا على هذا القول: «وهذا قول شاذ خارج عن قول العلماء، وإن كان عموم الآية يقتضيه فالسُّنَّة الثابتة بخلافه، وقد وقفت على ابن عباس خالتُه ميمونة وقالت له: (أَرَغَبٌ أَنْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (٦)» (٧)؟


(١) صحيح البخاري وصحيح مسلم. وقد تقدم.
(٢) شرح صحيح مسلم للنووي (٩/ ١٧٨ - ١٧٩).
(٣) صحيح مسلم. عن أنس - رضي الله عنه -. وقد تقدم.
(٤) سيأتي نصه وتخريجه قريبًا بعد حاشية واحدة.
(٥) تفسير القرطبي (٣/ ٨٦).
(٦) عن نُدبَةَ -مولاة لميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (أَرْسَلَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ إِلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ، فَرَأَيْتُ فِرَاشَهَا مُعْتَزِلًا فِرَاشَهُ فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِهِجْرَانٍ، فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: لَا، وَلَكِنِّي حَائِضٌ، فَإِذَا حِضْتُ لَمْ يَقْرَبْ فِرَاشِي. فَأَتَيْتُ مَيْمُونَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهَا، فَرَدَّتْنِي إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ: أَرَغْبَةً عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ الْحَائِضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا ثَوْبٌ). مسند أحمد (٤٤/ ٤٠٢ - ٤٠٣)، رقم (٢٦٨١٩)، والمعجم الكبير للطبراني (٢٤/ ١١ - ١٣)، رقم (١٦، و ١٧، و ١٨، و ١٩، و ٢٠، و ٢١). وقال محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون-: «صحيح». مسند أحمد (٤٤/ ٤٠٣)، حاشية رقم (١). وقد تقدم بعضه.
(٧) تفسير القرطبي (٣/ ٨٦ - ٨٧).

<<  <   >  >>