للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الشوكاني: «والمراد من هذا الاعتزال: ترك المجامعة، لا ترك المجالسة أو الملامسة؛ فإن ذلك جائز، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار، على خلاف في ذلك. وأما ما يروى عن ابن عباس وعبيدة السلماني: (أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت) فليس ذلك بشيء» (١).

ومثل قول هذين الإمامين قال الإمام ابن كثير في تفسيره، وذكر أنه قول ابن عباس - رضي الله عنه - ومجاهد والحسن وعكرمة (٢).

وهذا يدلُّ على ضعف ما رُوي عن ابن عباس - رضي الله عنه - من المنع أو على رجوعه عنه.

وقد فصّل الإمام النووي القول في مباشرة الحائض، ونقل الإجماع على ما يجوز منها وما لا يجوز، فقال: «اعلم أن مباشرة الحائض أقسام:

أحدها: أن يباشرها بالجماع في الفرج. فهذا حرام بإجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة ....

القسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذَّكَر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك. وهو حلال باتفاق العلماء، وقد نقل الشيخ أبو حامد الاسفراينى وجماعة كثيرة الإجماع على هذا. وأما ما حُكي عن عبيدة السلماني وغيره من "أنه لا يباشر شيئًا منها بشيء منه" فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول، ولو صحَّ عنه لكان مردودًا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق الإزار، وإذنه في ذلك بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده ....

القسم الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر. وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا:

أصحها عند جماهيرهم وأشهرها في المذهب: أنها حرام.

والثاني: أنها ليست بحرام، ولكنها مكروهة كراهة تنزيه. وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل. وهو المختار.

والوجه الثالث: إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته وإما لشدة ورعه جاز، وإلا فلا. وهذا الوجه حسن، قاله أبو العباس البصري من أصحابنا» (٣).

ولعلك أخي الكريم بعد هذا الكلام الواضح والتفصيل الدقيق تتساءل عن الحكمة في مباشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض أزواجه الحُيَّض مع وجود نسائه الأخريات اللاتي لسن كذلك، فقد كان يمكنه - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي إحداهنَّ وإن لم تكن نوبتها بإباحة الله له ذلك، ويترك مباشرة الحائض.


(١) تفسير الشوكاني (١/ ٢٥٩).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٥٨٦).
(٣) شرح صحيح مسلم للنووي (٣/ ٢٠٤ - ٢٠٥).

<<  <   >  >>