للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نقل الإجماع على كفر منكر السنة غير واحد من أهل العلم، منهم:

١ - الإمام ابن حزم، حيث قال: «مسألة: وكل من كفر بما بلغه وصح عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أجمع عليه المؤمنون مما جاء به النبي - عليه السلام - فهو كافر، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء:١١٥]» (١).

وقال كذلك: «فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة. ولو أن امرءًا قال: "لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن" لكان كافرًا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك. وقائل هذا كافر مشرك، حلال الدم والمال. وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم» (٢).

وقال أيضًا: «وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠)} [الشورى:١٠]. فوجدنا الله تعالى يردنا إلى كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ما قدمنا آنفًا. فلم يسمع (٣) مسلمًا يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أن يأبى عما وجد فيهما، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق.

وأما من فعله مستحلًا للخروج عن أمرهما وموجبًا لطاعة أحد دونهما فهو كافر شك (٤) عندنا في ذلك. وقد ذكرنا (٥) محمد بن نصر المروزي: أن إسحاق بن راهويه كان يقول: "من بلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر".

ولم نحتج في هذا بإسحاق، وإنما أوردناه لئلا يظن جاهل أننا منفردون بهذا القول. وإنما احتججنا في تكفيرنا من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول الله تعالى مخاطبًا لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء:٦٥].

قال علي (٦): هذه كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر وأيقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى إليه ووصيته - عز وجل - الواردة عليه.


(١) المحلى لابن حزم (١/ ٣٢).
(٢) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٢/ ٧٩ - ٨٠).
(٣) كذا في الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ولعل الصواب: يسع.
(٤) كذا في الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ولعل الصواب: لا شك.
(٥) كذا في الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ولعل الصواب: وقد ذكرنا عن.
(٦) يقصد: ابن حزم نفسه.

<<  <   >  >>