للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ خَالِقُ الْخَلْقِ فَكَيْفَ يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ يَتَرَتَّبُ الذَّمُّ بِتَرْكِهَا مِنْهَا الْجَزَاءُ أَيْ الثَّوَابُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِقَابُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَمِنْهَا اللُّطْفُ بِأَنْ يَفْعَلَ بِعِبَادِهِ مَا يُقَرِّبُهُمْ إلَى الطَّاعَةِ وَيُبْعِدُهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهُونَ إلَى حَدِّ الْإِلْجَاءِ وَمِنْهَا الْأَصْلَحُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا

ــ

[حاشية العطار]

رَئِيسٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْوَاجِبَاتِ كَانُوا مَعَهُ أَقْرَبَ إلَى الطَّاعَاتِ وَأَبْعَدَ عَنْ الْمَعَاصِي مِنْهُمْ بِدُونِهِ وَاللُّطْفُ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ نَصْبَ الْإِمَامِ إنَّمَا يَكُونُ لُطْفًا دَاخِلًا عَنْ الْمَفَاسِدِ كُلِّهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ وَتَرْكَ الْحَرَامِ مَعَ عَدَمِ الْإِمَامِ أَكْثَرُ ثَوَابًا لِكَوْنِهِمَا أَقْرَبَ إلَى الْإِخْلَاصِ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ كَوْنِهِمَا مِنْ خَوْفِ الْإِمَامِ وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يَجِبُ لَوْ لَمْ يَقُمْ لُطْفٌ آخَرُ مَقَامَهُ كَالْعِصْمَةِ مَثَلًا. لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَمَانٌ تَكُونُ النَّاسُ فِيهِ مَعْصُومِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ الْإِمَامِ وَأَيْضًا إنَّمَا يَكُونُ لُطْفًا إذَا كَانَ الْإِمَامُ ظَاهِرًا قَاهِرًا زَاجِرًا عَنْ الْقَبَائِحِ قَادِرًا عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَإِعْلَاءِ لِوَاءِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ عِنْدَكُمْ فَالْإِمَامُ الَّذِي ادَّعَيْتُمْ وُجُودَهُ لَيْسَ بِلُطْفٍ وَاَلَّذِي هُوَ لُطْفٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ الْجَدِيدِ لِلتَّجْرِيدِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّبِّ إلَخْ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤] وَقَوْلُهُ {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧] فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. إذْ ذَاكَ إحْسَانٌ وَتَفْضِيلٌ لَا إيجَابٌ وَإِلْزَامٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ وَعْدِهِ بِذَلِكَ {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: ٩] قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ الْوَاجِبُ إمَّا عِبَارَةٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ الذَّمَّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ مَا تَرْكُهُ مُخِلٌّ بِالْحِكْمَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضٌ آخَرُ أَوْ مَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا يَتْرُكَهُ وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ جَائِزًا كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ ظَوَاهِرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: ٢٦] «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَاكِيًا عَنْ اللَّهِ يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي» .

وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي مُلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ فَلَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الذَّمُّ أَصْلًا عَلَى فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ بَلْ هُوَ الْمَحْمُودُ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ وَكَذَا الثَّانِي لَا نُسَلِّمُ إجْمَالًا بِأَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ وَالْمَصَالِحَ وَلَا يُحِيطُ عِلْمُنَا بِحِكْمَتِهِ وَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْتِزَامَ رِعَايَةِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَالَى {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣] وَكَذَا الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قِيلَ بِامْتِنَاعِ صُدُورِ خِلَافٍ عَنْهُ تَعَالَى فَهُوَ يُنَافِي مَا صَرَّحَ بِهِ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ جَوَازِ التَّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَاتَ مَعْنَى الْوُجُوبِ إذْ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُحَصِّلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتْرُكُهُ عَلَى طَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْوُجُوبِ فِي شَيْءٍ بَلْ يَكُونُ إطْلَاقُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ مُجَرَّدَ اصْطِلَاحٍ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْهَا اللُّطْفُ إلَخْ) اسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ تَرْكَ اللُّطْفِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ غَرَضِ التَّكْلِيفِ فَيَكُونُ اللُّطْفُ وَاجِبًا وَإِلَّا لَزِمَ مِنْ الْغَرَضِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلِّفَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يُطِيعُ إلَّا بِاللُّطْفِ فَلَوْ كَلَّفَهُ بِدُونِهِ يَكُونُ نَاقِضًا لِغَرَضِهِ وَكَمَنْ دَعَا غَيْرَهُ إلَى طَعَامِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ إلَّا بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُ نَوْعًا مِنْ التَّأَدُّبِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ الدَّاعِي ذَلِكَ التَّأَدُّبَ كَانَ نَاقِضًا لِغَرَضِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ أَفْعَالِهِ تَعَالَى مُعَلَّلَةً بِالْأَغْرَاضِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمْ وَهُوَ بَاطِلٌ وَبَعْدَ التَّنَزُّلِ يُقَالُ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَمَشَّى فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الطَّاعَةُ وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ وَمَا يُقَرِّبُ إلَى الطَّاعَةِ وَيُبْعِدُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْأَصْلَحُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا إلَخْ) ذَهَبَ مُعْتَزِلَةُ الْبَصْرَةِ إلَى وُجُوبِ الْأَصْلَحِ فِي الدِّينِ فَقَطْ وَذَهَبَ مُعْتَزِلَةُ بَغْدَادَ إلَى وُجُوبِ الْأَصْلَحِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ الْأَصْلَحُ فِي الْحِكْمَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>