مِنْ حَيْثُ: الْحِكْمَةُ وَالتَّدْبِيرُ.
(وَالْمَعَادُ الْجُسْمَانِيُّ) أَيْ عَوْدُ الْجِسْمِ (بَعْدَ الْإِعْدَامِ) بِأَجْزَائِهِ وَعَوَارِضِهِ
ــ
[حاشية العطار]
يُوَافِقُ هَذَا مَعَ مُلَاحَظَةِ مَعْطُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَالدِّينِ إلَّا أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ بِحَالٍ تَدَبَّرْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَعَمْرِي إنَّ مَفَاسِدَ هَذَا الْأَصْلِ أَعْنِي وُجُوبَ الْأَصْلَحِ بَلْ مَفَاسِدَ أَكْثَرِ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَى وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَذَلِكَ لِقُصُورِ نَظَرِهِمْ فِي الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَرُسُوخِ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ فِي طِبَاعِهِمْ.
وَغَايَةُ مُتَشَبَّثِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ الْأَصْلَحِ يَكُونُ بُخْلًا وَسَفَهًا وَجَوَابُهُ أَنَّ مَنْعَ مَا يَكُونَ حَقُّ الْمَانِعِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ كَرْمُهُ وَحِكْمَتُهُ وَعِلْمُهُ بِالْعَوَاقِبِ يَكُونُ مَحْضَ عَدْلٍ وَحِكْمَةٍ اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ إنَّ الْمُعْتَزِلَةَ إذَا طُولِبُوا بِتَحْقِيقِ وُجُوبِ رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لَمْ يَرْجِعُوا إلَى شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ رَأْيٌ اسْتَحْسَنُوهُ مِنْ مُقَايَسَةِ الْخَلْقِ عَلَى الْخَالِقِ وَمُشَابَهَةِ حِكْمَتِهِ بِحِكْمَتِهِمْ وَمُسْتَحْسَنَاتُ الْعُقُولِ آرَاءٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تُنْتِجُ نَتَائِجَ يَشْهَدُ الْقُرْآنُ بِفَسَادِهَا كَهَذِهِ الْمُقَابَلَةِ فَإِنِّي إذَا وَزَنْتُهَا بِمِيزَانِ التَّلَازُمِ قُلْت لَوْ كَانَ الْأَصْلَحُ وَاجِبًا عَلَى اللَّهِ لَفَعَلَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلِمَ يَكُونُ وَاجِبًا فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ قُلْنَا الْأَصْلَحُ بِالْخَلْقِ أَنْ يَكُونُوا فِي الْجَنَّةِ وَتَرَكَهُمْ فِيهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْأَصَحَّ بِزَعْمِكُمْ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بِمَا هَذَا خُلَاصَتُهُ.
(قَوْلُهُ: أَيْ عَوْدُ الْجِسْمِ إلَخْ) بِأَنْ يُعَادَ الْجِسْمُ الْمَعْدُومُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَوْ بِجَمْعِ أَجْزَائِهِ الْمُتَفَرِّقَةِ كَمَا كَانَتْ أَوَّلًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُمْ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ إعَادَةَ الْمَعْدُومِ نَفْسِهِ مُوَافَقَةً لِلْفَلَاسِفَةِ (قَوْلُهُ: بِأَجْزَائِهِ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا تَرِدُ شُبْهَةُ مُنْكِرِيهِ بِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا وَصَارَ غِذَاءً لَهُ وَمِنْ أَجْزَاءِ بَدَنِهِ فَالْأَجْزَاءُ الْمَأْكُولَةُ إمَّا أَنْ تُعَادَ فِي بَدَنِ الْآكِلِ أَوْ بِدُونِ الْمَأْكُولِ وَأَيَّا مَا كَانَ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ مُعَادًا بِتَمَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِجَعْلِهَا جُزْءًا مِنْ بَدَنِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَا سَبِيلَ إلَى جَعْلِهَا جُزْءًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَيْضًا إذَا كَانَ الْآكِلُ كَافِرًا وَالْمَأْكُولُ مُؤْمِنًا يَلْزَمُ تَنْعِيمُ الْأَجْزَاءِ الْعَاصِيَةِ أَوْ تَعْذِيبُ الْأَجْزَاءِ الْمُطِيعَةِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِعَادَةَ لِلْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ لَا الْحَاصِلَةِ بِالتَّغْذِيَةِ فَالْمُعَادُ مِنْ الْآكِلِ وَالْمَأْكُولِ الْأَجْزَاءُ الْأَصْلِيَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي أَوَّلِ الْفِطْرَةِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ فَسَادٍ فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ تَصِيرَ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ الْغِذَائِيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ فِي الْمَأْكُولِ نُطْفَةً وَأَجْزَاءً أَصْلِيَّةً لِبَدَنٍ آخَرَ وَيَعُودُ الْمَحْذُورُ قُلْنَا الْمَحْذُورُ إنَّمَا هُوَ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ لَا فِي إمْكَانِهِ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَهَا مِنْ أَنْ تَصِيرَ جُزْءًا لِبَدَنٍ آخَرَ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَصِيرَ جُزْءًا أَصْلِيًّا اهـ. مِنْ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ.
وَفِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا قَوْلٌ بِالتَّنَاسُخِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ الثَّانِيَ لَيْسَ هُوَ الْأَوَّلَ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ وَأَنَّ الْجَهَنَّمِيَّ ضِرْسُهُ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ مَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا وَلِلتَّنَاسُخِ فِيهِ قَدَمٌ رَاسِخٌ قُلْنَا إنَّمَا يَلْزَمُ التَّنَاسُخُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَنُ الثَّانِي مَخْلُوقًا مِنْ الْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ لِلْبَدَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ سُمِّيَ مِثْلُ ذَلِكَ تَنَاسُخًا كَانَ نِزَاعًا فِي مُجَرَّدِ الِاسْمِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى اسْتِحَالَةِ إعَادَةِ الرُّوحِ إلَى مِثْلِ هَذَا الْبَدَنِ بَلْ الْأَدِلَّةُ قَائِمَةٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ سَوَاءٌ سُمِّيَ تَنَاسُخًا أَوْ لَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعَوَارِضِهِ) أَيْ الْمُشَخِّصَةِ لَهُ مِنْ الْكَمِّ وَالْكَيْفِ وَغَيْرِهِمَا وَفِيهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَلَوْ أُعِيدَ وَقْتُ الْحُدُوثِ لَكَانَ ذَلِكَ الْمَعْدُومُ مَبْدَأ لَا مُعَادًا إلَّا أَنَّ الْمُعَادَ هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْحُدُوثِ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي وَقْتِ الْحُدُوثِ فَيَكُونُ مَبْدَأ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ الْوَقْتُ الْأَوَّلُ لَمْ تَكُنْ الْإِعَادَةُ لِلْمَعْدُومِ بِعَيْنِهِ لِمَا قَالُوا إنَّ الْوَقْتَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الْمُشَخِّصَةِ لِلشَّيْءِ فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ غَيْرُ الْمَوْجُودِ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ.
وَالْجَوَابُ أَنْ نَخْتَارَ أَنَّ الْوَقْتَ الْأَوَّلَ لَمْ يَعُدْ وَقَوْلُكُمْ إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ إعَادَةِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْدُومُ مُعَادًا بِعَيْنِهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى إعَادَةِ الْمَعْدُومِ بِعَيْنِهِ إعَادَةُ الْعَيْنِ بِالْمُشَخِّصَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَقْتَ مِنْ الْمُشَخِّصَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّ زَيْدًا الْمَوْجُودَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ هُوَ بِعَيْنِهِ الْمَوْجُودُ قَبْلَهَا وَقَوْلُكُمْ إنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَخْ أَمْرٌ وَهْمِيٌّ وَالتَّغَايُرُ الَّذِي تُحْكَمُ بِهِ الضَّرُورَةُ إنَّمَا