كَمَا كَانَ (حَقٌّ) قَالَ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: ٢٧] {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: ١٠٤] {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: ٢٩] وَأَنْكَرَتْ الْفَلَاسِفَةُ إعَادَةَ الْأَجْسَامِ وَقَالُوا إنَّمَا تُعَادُ الْأَرْوَاحُ بِمَعْنَى أَنَّهَا بَعْدَ مَوْتِ الْبَدَنِ تُعَادُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّجَرُّدِ مُتَلَذِّذَةً بِالْكَمَالِ أَوْ مُتَأَلِّمَةً بِالنُّقْصَانِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْإِعْدَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: لَا يُعْدَمُ الْجِسْمُ وَإِنَّمَا تُفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ
(وَنَعْتَقِدُ أَنَّ خَيْرَ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَتُهُ فَعُمَرُ فَعُثْمَانُ فَعَلِيٌّ أُمَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ) لِإِطْبَاقِ السَّلَفِ عَلَى خَيْرِيَّتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ
ــ
[حاشية العطار]
هُوَ بِحَسَبِ الذِّهْنِ وَالِاعْتِبَارِ دُونَ الْخَارِجِ.
وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ مِنْ الْمُشَخِّصَاتِ لَزِمَ تَبَدُّلُ الْأَشْخَاصِ بِتَبَدُّلِهِ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَعْدُومَ مُعَادٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَالشَّخْصُ الْحَاصِلُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي هُوَ الْحَاصِلُ فِي الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَعَوَارِضِهِ أَيْ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّخْصِ الْخَارِجِيِّ لَا جَمِيعِ الْعَوَارِضِ فَإِنَّ مِنْهَا الْوَقْتُ وَالْوَضْعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ وَفِي الشَّرْحِ الْجَدِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ أَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ مِنْ الْمُشَخِّصَاتِ وَمَنْ زَعَمَ خِلَافَ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى السَّفْسَطَةِ وَيُحْكَى أَنَّهُ وَقَعَ هَذَا الْبَحْثُ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ سِينَا مَعَ أَحَدِ تَلَامِذَتِهِ وَكَانَ مُصِرًّا عَلَى التَّغَايُرِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُشَخِّصَةِ فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَزْعُمُ فَلَا يَلْزَمُنِي الْجَوَابُ؛ لِأَنِّي غَيْرُ مَنْ كَانَ يُبَاحِثُك وَأَنْتَ أَيْضًا غَيْرُ مَنْ كَانَ يُبَاحِثُنِي فَبُهِتَ التِّلْمِيذُ وَعَادَ إلَى الْحَقِّ وَاعْتَرَفَ بِعَدَمِ التَّغَايُرِ فِي الْوَاقِعِ وَأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ مِنْ الْمُشَخِّصَاتِ قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: ٢٧] تَمَامُ الْآيَةِ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: ٢٧] قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى كَوْنِ الْإِعَادَةِ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتُهُ قَدِيمَةٌ لَا تَتَفَاوَتُ الْمَقْدُورَاتُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا قُلْنَا كَوْنُ الْفِعْلِ أَهْوَنَ تَارَةً يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْفَاعِلِ بِزِيَادَةِ شَرَائِطِ الْفَاعِلِيَّةِ وَتَارَةً مِنْ جِهَةِ الْقَائِلِ بِزِيَادَةِ اسْتِعْدَادَاتِ الْقَبُولِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قُدْرَةِ الْفَاعِلِ فَالْكُلُّ عَلَى السَّوَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَتْ الْفَلَاسِفَةُ إلَخْ) وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ الَّتِي كُفِّرُوا بِهَا وَاشْتُهِرَ أَنَّ ابْنَ سِينَا يُوَافِقُهُمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَثْبَتَ الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ وَكِتَابِ النَّجَاةِ أَيْضًا قَالَ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَعَادَ مِنْهُ مَا هُوَ مَقْبُولٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِهِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الشَّرِيعَةِ وَتَصْدِيقِ خَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي لِلْبَدَنِ عِنْدَ الْبَعْثِ وَخَيْرَاتُهُ وَشُرُورُهُ مَعْلُومَةٌ وَقَدْ بَسَطَتْ الشَّرِيعَةُ الْحَقَّةُ الَّتِي أَتَانَا بِهَا سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ الَّتِي بِحَسَبِ الْبَدَنِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُدْرَكٌ بِالْعَقْلِ إلَخْ وَذَكَرَ الْحَشْرَ الرُّوحَانِيَّ (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالتَّصْحِيحُ مِنْ عِنْدِيَّاتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْحَقُّ التَّوَقُّفُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَوَاقِفِ وَأَقَرَّهُ شَارِحُهُ وَصَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ قَاطِعٌ سَمْعِيٌّ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يُعْدَمُ الْجِسْمُ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ الْمُعَادُ التَّأْلِيفُ لَا الْمُؤَلَّفُ.
(قَوْلُهُ: وَنَعْتَقِدُ أَنَّ خَيْرَ الْأُمَّةِ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ هَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ وَبِالْأَوَّلِ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِإِطْبَاقِ السَّلَفِ إلَخْ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَبِالثَّانِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَفَضْلُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَعْلُومٌ مَا مَرَّ مِنْ تَرْتِيبِ الْفَضْلِ بَيْنَ نَبِيِّنَا وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَأَمَّا فَضْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَمِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَيْرُ الْأُمَمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ خَيْرُ سَائِرِ الْأُمَمِ وَفِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَمْشِي أَمَامَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَتَمْشِي أَمَامَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك إنَّ أَبَا بَكْرٍ خَيْرُ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ إلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ» اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الْأَشْرَفِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ وَلِتَأَخُّرِهِ حَدِيثُ كَانَ يَسُوقُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ كَالرَّاعِي. وَجَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَيْضًا فِي بَعْضٍ كَالْأُمَرَاءِ (قَوْلُهُ: خَلِيفَتُهُ) لَمْ يَنُصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافَةِ أَحَدٍ. خِلَافًا لِلْبَكْرِيَّةِ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا النَّصَّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِلشِّيعَةِ فِي زَعْمِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute