للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَفْضَلُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيٌّ وَمَيَّزَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُشَارِكِيهِمْ فِي أَسْمَائِهِمْ بِمَا كَانُوا يُدْعَوْنَ بِهِ فَكَانَ يُدْعَى أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ خَلَفَهُ فِي أَمْرِ الرَّعِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُدْعَى كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

(وَ) نَعْتَقِدُ (بَرَاءَةَ عَائِشَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (مِنْ كُلِّ مَا قُذِفَتْ بِهِ) لِنُزُولِ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَتِهَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: ١١] الْآيَاتِ

(وَنُمْسِكُ عَمَّا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ) مِنْ الْمُنَازَعَاتِ الَّتِي قُتِلَ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَتِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا أَيْدِيَنَا فَلَا نُلَوِّثُ بِهَا أَلْسِنَتَنَا (وَنَرَى الْكُلَّ مَأْجُورِينَ) فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي مَسْأَلَةٍ ظَنِّيَّةٍ لِلْمُصِيبِ فِيهَا أَجْرَانِ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَإِصَابَتِهِ وَلِلْمُخْطِئِ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْحَاكِمَ إذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»

(وَ) نَرَى (أَنَّ الشَّافِعِيَّ) إمَامَنَا (وَمَالِكًا) شَيْخَهُ (وَأَبَا حَنِيفَةَ وَالسُّفْيَانَيْنِ) الثَّوْرِيَّ وَابْنَ عُيَيْنَةَ (وَأَحْمَدَ) بْنَ حَنْبَلٍ (وَالْأَوْزَاعِيَّ وَإِسْحَاقَ) بْنَ رَاهْوَيْهِ (وَدَاوُد) الظَّاهِرِيَّ (وَسَائِرَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ بَاقِيَهُمْ (عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ) فِي الْعَقَائِدِ وَغَيْرِهَا وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِمْ بِمَا هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْمُحَقِّقِينَ لَا يُقِيمُونَ لِلظَّاهِرِيَّةِ وَزْنًا وَإِنَّ خِلَافَهُمْ لَا يُعْتَبَرُ مَحْمَلُهُ عِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ وَأَمْثَالِهِ.

وَأَمَّا دَاوُد فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ خِلَافَهُ لَا يُعْتَبَرُ فَلَقَدْ كَانَ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ لَهُ مِنْ سَدَادِ النَّظَرِ وَسَعَةِ الْعِلْمِ وَنُورِ الْبَصِيرَةِ وَالْإِحَاطَةِ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مَا يَعْظُمُ وَقْعُهُ وَقَدْ دُوِّنَتْ كُتُبُهُ وَكَثُرَتْ أَتْبَاعُهُ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ فِي الْفُرُوعِ وَقَدْ كَانَ مَشْهُورًا فِي زَمَنِ الشَّيْخِ وَبَعْدَهُ بِكَثِيرٍ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ فَارِسَ شِيرَازَ وَمَا وَالَاهَا إلَى نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ (وَ) نَرَى (أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ) عَلِيَّ بْنَ إسْمَاعِيلَ (الْأَشْعَرِيَّ) وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الصَّحَابِيِّ (إمَامٌ فِي السُّنَّةِ) أَيْ الطَّرِيقَةِ الْمُعْتَقَدَةِ (مُقَدَّمٌ) فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ كَأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ.

(وَ) نَرَى (أَنَّ طَرِيقَ الشَّيْخِ) أَبِي الْقَاسِمِ (الْجُنَيْدِ) سَيِّدِ الصُّوفِيَّةِ عِلْمًا وَعَمَلًا (وَصَحْبِهِ طَرِيقٌ مُقَوَّمٌ) فَإِنَّهُ خَالٍ عَنْ الْبِدَعِ دَائِرٌ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيضِ وَالتَّبَرِّي مِنْ النَّفْسِ وَمِنْ كَلَامِهِ الطَّرِيقُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَسْدُودٌ عَلَى خَلْقِهِ إلَّا عَلَى الْمُقْتَفِينَ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ

ــ

[حاشية العطار]

النَّصَّ عَلَى خِلَافِهِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ.

وَقَدْ اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَوْمَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ الْأَنْصَارُ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنَّا الْأُمَرَاءُ وَمِنْكُمْ الْوُزَرَاءُ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» فَاسْتَقَرَّ رَأْيُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَالْمُرَاجَعَةِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَبَايَعُوهُ وَبَايَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَلُقِّبَ بِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَوَقُّفٍ مِنْهُ فَصَارَتْ إمَامَتُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ) أَيْ تَرْتِيبِ الْخِلَافَةِ أَوْ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ مِنَّا وَهُوَ عَلَى نَمَطِ تَرْتِيبِ الْخِلَافَةِ قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ التَّوَقُّفُ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَتَعَارَضُ الظُّنُونُ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ تَفْضِيلُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ

(قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مَا قُذِفَتْ بِهِ الصَّوَابُ حَذْفُ كُلِّ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقْذَفْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.

(قَوْلُهُ: مَحْمَلُهُ عِنْدِي ابْنُ حَزْمٍ شَنَّعَ عَلَيْهِ السَّنُوسِيُّ فِي كُتُبِهِ وَوَصَفَهُ بِالِابْتِدَاعِ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ الصُّغْرَى قَالَ ابْنُ عَاتٍ مِنْ النَّاسِ مَنْ تَوَلَّعَ بِمَدْحِهِ حِفْظًا وَمَعْرِفَةً وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَلَّعَ بِذَمِّهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ طَرِيقَةِ الْمَالِكِيِّينَ وَرُكُوبِهِ رَأْسَهُ فِي نَوْعٍ آخَرَ وَرَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ بِتَأْلِيفٍ وَعَبْدُ الْحَقِّ إمَامُ الْمَالِكِيَّةِ وَلِابْنِ حَزْمٍ تَأْلِيفٌ كَبِيرٌ يَنْتَصِرُ فِيهِ لِلظَّاهِرِيَّةِ وَيُشَنِّعُ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ وَقَدْ رَأَيْت كِتَابًا لِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ فِي رَدِّ هَذَا الْكِتَابِ وَنَقْضِهِ عُرْوَةً عُرْوَةً اهـ.

وَقَدْ ذَكَرْت فِي صَدْرِ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِابْنِ حَزْمٍ (قَوْلُهُ: وَنَرَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ) وَمِثْلُهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>