للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَتَكَلَّمُ عَلَى النَّاسِ فَوَقَفَ عَلَيَّ مَلَكٌ فَقَالَ مَا أَقْرَبُ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقُلْت عَمَلٌ خَفِيٌّ بِمِيزَانٍ وَفِيٍّ فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ كَلَامٌ مُوَفَّقٌ وَاَللَّهِ، وَلَا الْتِفَاتَ لِمَنْ رَمَاهُمْ فِي جُمْلَةِ الصُّوفِيَّةِ بِالزَّنْدَقَةِ عِنْدَ خَلِيفَةِ السُّلْطَانِ حَتَّى أَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ فَأَمْسَكُوا إلَّا الْجُنَيْدَ فَإِنَّهُ تَسَتَّرَ بِالْفِقْهِ وَكَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ شَيْخِهِ، وَبُسِطَ لَهُمْ النَّطْعُ فَتَقَدَّمَ مِنْ آخِرِهِمْ أَبُو الْحَسَنِ النُّورِيُّ لِلسَّيَّافِ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَقَدَّمَتْ فَقَالَ: أُوثِرُ أَصْحَابِي بِحَيَاةِ سَاعَةٍ فَبُهِتَ وَأُنْهِيَ الْخَبَرُ لِلْخَلِيفَةِ فَرَدَّهُمْ إلَى الْقَاضِي فَسَأَلَ النُّورِيَّ عَنْ مَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ فَأَجَابَهُ عَنْهَا ثُمَّ قَالَ: وَبَعْدُ فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا إذَا قَامُوا قَامُوا بِاَللَّهِ وَإِذَا نَطَقُوا نَطَقُوا بِاَللَّهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَبَكَى الْقَاضِي وَأَرْسَلَ يَقُولُ لِلْخَلِيفَةِ إنْ كَانَ هَؤُلَاءِ زَنَادِقَةً فَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِمْ، ثُمَّ قُتِلَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْحُسَيْنُ الْحَلَّاجُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَثِمِائَةٍ مِنْ سِنِي الْخَلِيفَةِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرٌ الْمُقْتَدِرُ.

(وَمِمَّا لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ) فِي الْعَقِيدَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَتَنْفَعُ مَعْرِفَتُهُ) فِيهَا مَا يُذْكَرُ إلَى الْخَاتِمَةِ وَهُوَ (الْأَصَحُّ) الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ (إنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ) فِي

ــ

[حاشية العطار]

كِلَاهُمَا إمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ فِي مَسَائِلَ نَظَمَهَا الْمُصَنِّفُ فِي قَصِيدَةٍ نُونِيَّةٍ وَذَكَرَهَا فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ جَهْلُهُ أَيْ وَيَنْفَعُ عِلْمُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْعَقِيدَةِ قَيْدٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ قَدْ يَكُونُ مُضِرًّا فِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ لَا فِي جَمِيعِهِ فَإِنَّ مِنْهُ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَقَوْلَهُمْ الْمَاهِيَّاتُ مَجْعُولَةٌ وَنَحْوَهُمَا (قَوْلُهُ: وَتَنْفَعُ مَعْرِفَتُهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَضُرُّ جَهْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَنْفَعُ مَعْرِفَتُهُ بِاعْتِبَارِ مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِ الْقَوْمِ الَّذِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعَقَائِدُ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ مَبَادِئِ عِلْمِ الْكَلَامِ لَا مِنْ مَسَائِلِهِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَعْلَ الْمَاهِيَّةِ سَابِقًا وَحَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبَادِئِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْمُتَكَلِّمُونَ بِمَبَاحِثِ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَيَذْكُرُونَهُ فِي صُدُورِ الْمُؤَلَّفَاتِ الْكَلَامِيَّةِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَذْكُرُونَ مَبَاحِثَ الذَّاتِ الْجَلِيلَةِ وَصِفَاتِهَا وَمَبَاحِثَ النُّبُوَّاتِ وَالسَّمْعِيَّاتِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُصَنِّفُ بِصَدَدِ ذَلِكَ لَمْ يَسْلُكْ تَرْتِيبَهُمْ وَلَمْ يَسْتَوْفِ مَبَاحِثَهُمْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ إلَخْ) يُعْرَبُ هُوَ مُبْتَدَأً وَقَوْلُهُ الْأَصَحُّ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَإِ الْأَوَّلِ هَذِهِ الْجُمَلُ كُلُّهَا إلَى الْخَاتِمَةِ.

(قَوْلُهُ: أَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ عَيْنُهُ) قَالَ الْمَوْلَى جَامِيٌّ فِي الدُّرَّةِ الْفَاخِرَةِ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ وُجُودَ الْوَاجِبِ بَلْ وُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ عَيْنُهُ ذِهْنًا وَخَارِجًا وَلَمَّا اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ اشْتِرَاكَ الْوُجُودِ بَيْنَ الْمَوْجُودَاتِ الْخَاصَّةِ لَفْظًا لَا مَعْنًى. وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ. قِيلَ: إنَّ مُرَادَهُمَا بِالْعَيْنِيَّةِ عَدَمُ التَّمَايُزِ الْخَارِجِيِّ أَيْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ هُوَ الْمَاهِيَّةُ وَآخَرُ قَائِمًا بِهَا قِيَامًا خَارِجِيًّا هُوَ الْوُجُودُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَتَبُّعِ دَلَائِلِهِمْ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ لِلْوُجُودِ مَفْهُومًا وَاحِدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوُجُودَاتِ وَذَلِكَ الْمَفْهُومُ الْوَاحِدُ يَتَكَثَّرُ وَيَصِيرُ حِصَّةً حِصَّةً بِإِضَافَتِهِ إلَى الْأَشْيَاءِ كَبَيَاضِ هَذَا الثَّلْجِ وَذَاكَ الْقُطْنِ، وَوُجُودَاتُ الْأَشْيَاءِ مِنْ هَذِهِ الْحِصَصِ، وَهَذِهِ الْحِصَصُ مَعَ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ الدَّاخِلِ فِيهَا خَارِجَةٌ عَنْ ذَوَاتِ الْأَشْيَاءِ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا ذِهْنًا فَقَطْ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ وَذِهْنًا وَخَارِجًا عِنْدَ آخَرِينَ وَحَاصِلُ مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ أَنَّ لِلْوُجُودِ مَفْهُومًا وَاحِدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوُجُودَاتِ وَالْوُجُودَاتُ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ مُتَكَثِّرَةٌ بِأَنْفُسِهَا لَا بِمُجَرَّدِ عَارِضِ الْإِضَافَةِ لِتَكُونَ مُتَمَاثِلَةً مُتَّفِقَةَ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِالْفُصُولِ حَتَّى يَكُونَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ جِنْسًا لَهَا بَلْ هُوَ مَفْهُومٌ عَارِضٌ لَازِمٌ لَهَا كَنُورِ الشَّمْسِ وَنُورِ السِّرَاجِ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِالْحَقِيقَةِ وَاللَّوَازِمِ، مُشْتَرِكَانِ فِي عَارِضِ النُّورِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وُجُودٍ اسْمٌ خَاصٌّ كَمَا فِي أَقْسَامِ الْمُمْكِنِ تُوُهِّمَ أَنَّ تَكَثُّرَ الْوُجُودَاتِ وَكَوْنَهَا حِصَّةً حِصَّةً إنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَاهِيَّاتِ الْمَعْرُوضَةِ لَهَا كَبَيَاضِ هَذَا الثَّلْجِ وَذَلِكَ، وَنُورِ هَذَا السِّرَاجِ وَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ مُتَغَايِرَةٌ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ هَذَا الْمَفْهُومِ الْعَارِضِ الْخَارِجِ عَنْهَا وَإِذَا اُعْتُبِرَ تَكَثُّرُ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ وَصَيْرُورَتِهِ حِصَّةً حِصَّةً بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمَاهِيَّاتِ فَهَذِهِ الْحِصَصُ أَيْضًا خَارِجَةٌ عَنْ تِلْكَ الْوُجُودَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْحَقَائِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>