للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَارِجِ وَاجِبًا كَانَ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مُمْكِنًا وَهُوَ الْخَلْقُ (عَيْنُهُ) أَيْ لَيْسَ زَائِدًا عَلَيْهِ (وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ)

ــ

[حاشية العطار]

فَهُنَاكَ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ: مَفْهُومُ الْوُجُودِ وَحِصَصُهُ الْمُتَعَيِّنَةُ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمَاهِيَّاتِ. وَالْوُجُودَاتُ الْخَاصَّةُ الْمُخْتَلِفَةُ الْحَقَائِقِ فَمَفْهُومُ الْوُجُودِ ذَاتِيٌّ دَاخِلٌ فِي حِصَصِهِ وَهُمَا خَارِجَانِ عَنْ الْمَوْجُودَاتِ الْخَاصَّةِ وَالْوُجُودُ الْخَاصُّ عَيْنُ الذَّاتِ فِي الْوَاجِبِ وَزَائِدٌ خَارِجٌ فِيمَا سِوَاهُ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ الْوُجُودَ بِاعْتِبَارِ مَقُولِيَّتِهِ عَلَى أَفْرَادِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمِنْ الْمُتَوَاطِئِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمِنْ الْمُشَكِّكِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ فَإِنْ قُلْت حَيْثُ كَانَ مَفْهُومُ الْوُجُودِ ذَاتِيًّا لِحِصَصِهِ كَيْفَ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ لِاقْتِضَائِهِ التَّفَاوُتَ فِي الذَّاتِيَّاتِ قُلْت صَرَّحَ الْمَوْلَى الْجَامِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ الِاخْتِلَافِ بِالْمَاهِيَّاتِ وَالذَّاتِيَّاتِ بِالتَّشْكِيكِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَيْسَ زَائِدًا عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْخَارِجِ بَلْ لَيْسَ إلَّا ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِالْوُجُودِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْأَشْعَرِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوُجُودُ زَائِدًا عَلَى الْمَاهِيَّةِ عَارِضًا لَهَا لَكَانَتْ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ أَيْ كَانَتْ فِي مَرْتَبَةِ مَعْرُوضِيَّةِ الْوُجُودِ خَالِيَةً عَنْ الْوُجُودِ فَكَانَتْ مَعْدُومَةً أَيْ كَانَتْ فِي الْمَرْتَبَةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْصُوفَةً بِالْعَدَمِ لِاسْتِحَالَةِ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ اتِّصَافُ الْمَعْدُومِ بِالْوُجُودِ وَأَنَّهُ تَنَاقُضٌ.

وَأَجَابَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِأَنَّ الْمُمْكِنَ وَهُوَ مَا لَا تُقْتَضَى ذَاتُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا لَمَّا كَانَ صَالِحًا؛ لَأَنْ يَتَوَارَدَ عَلَيْهِ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَانَ فِي حَدِّ نَفْسِهِ عَارِيًّا عَنْهُمَا لَا بِمَعْنَى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَيْسَ عَيْنَهُ وَلَا جُزْأَهُ إذْ يَكْفِي هَذَا الْمَعْنَى فِي تَصْحِيحِ تِلْكَ الصَّلَاحِيَّةِ كَيْفَ وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَازِمًا لِذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَمَّا كَانَ قَابِلًا لِلْآخَرِ صَالِحًا لَأَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى أَنَّ مَاهِيَّةَ الْمُمْكِنِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَهِيَ مَرْتَبَةُ مَعْرُوضِيَّتِهَا لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ خَالِيَةٌ عَنْهُمَا غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي خُلُوِّ مَرْتَبَةٍ عَقْلِيَّةٍ عَنْ النَّقِيضَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ إنَّمَا الِاسْتِحَالَةُ فِي خُلُوِّ وَقْتٍ خَارِجِيٍّ عَنْهُمَا اهـ.

وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَيْنِيَّةِ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ لَوْ كَانَتْ عَيْنَ وُجُودِهِ لَكَانَ الْعِلْمُ بِالْإِنْسَانِ هُوَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ كَثِيرًا مَا يُتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَخْطِرُ بِبَالِنَا مَعْنَى الْوُجُودِ وَحَيْثِيَّتُهُ أَمَّا الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْوُجُودُ الْعَقْلِيُّ؛ فَلِأَنَّ تَعَقُّلَ الْإِنْسَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَقُّلَ تَعَقُّلِهِ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعَقُّلَ الْمَاهِيَّةِ يَنْفَكُّ عَنْ وُجُودِهَا فَإِنَّ تَعَقُّلَ الْمَاهِيَّةِ هُوَ بِعَيْنِهِ تَعَقُّلُ الْوُجُودِ قُلْنَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكُنَّا لَا نَشُكُّ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةً عِنْدَ حُصُولِهَا فِي الْعَقْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَتَعَقَّلُ كَثِيرًا مِنْ الْمَاهِيَّاتِ وَنَشُكُّ فِي وُجُودَاتِهَا.

وَأَقُولُ سُبْحَانَ مَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. هَذَا الْوُجُودُ الَّذِي هُوَ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ خَفِيَتْ عَلَيْنَا حَقِيقَتُهُ وَاضْطَرَبَتْ الْفُضَلَاءُ فِي الْبَحْثِ عَنْهَا وَطَالَ نِزَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ وَانْتَشَرَ كَلَامُهُمْ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ مِنْ دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلَامِ فَمَا لَنَا إلَّا الِاعْتِرَافُ بِالْقُصُورِ، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حَدِّنَا مِنْ الْعَجْزِ، وَالِاسْتِمْدَادُ مِنْ مَوَاهِبِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ أَنْوَارَ الْمَعْرِفَةِ وَتَجَنُّبَ ظُلَمِ الشُّبَهِ وَقَدْ ذَكَرْت كَلَامًا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ عَلَى نَحْوٍ آخَرَ وَحَاشِيَةِ الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى وَقَدْ نَحَا الصُّوفِيَّةُ مَنْحًى آخَرَ فِي الْوُجُودِ ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْحُكَمَاءِ وَمَنْ أَلَّفَ الْبُرْهَانَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَنَسَبَهُمْ إلَى الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ.

لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا كَشْفَ هَذَا الْمَعْنَى الذَّوْقِيِّ الدَّقِيقِ بِالْعِبَارَةِ فَضَاقَتْ عَنْ إفَادَتِهِ كَمَا قِيلَ:

وَإِنَّ قَمِيصًا حِيكَ مِنْ نَسْجِ تِسْعَةٍ ... وَعِشْرِينَ حَرْفًا عَنْ جَمَالِك قَاصِرُ

قَالَ الصَّدْرُ الْقُونَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْهَادِيَةِ إذَا اخْتَلَفَتْ حَقِيقَةٌ بِكَوْنِهَا فِي شَيْءٍ أَقْوَى أَوْ أَقْدَمَ أَوْ أَشَدَّ أَوْ أَوْلَى فَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِ رَاجِعٌ إلَى الظُّهُورِ دُونَ تَعَدُّدٍ وَاقِعٍ فِي الْحَقِيقَةِ الظَّاهِرَةِ أَيِّ حَقِيقَةٍ كَانَتْ مِنْ عِلْمٍ وَوُجُودٍ وَغَيْرِهِمَا فَقَابِلٌ مُسْتَعِدٌّ لِظُهُورِ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَتَمُّ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ ظُهُورُهَا فِي قَابِلٍ آخَرَ مَعَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ وَاحِدَةٌ فِي الْكُلِّ وَالْمُفَاضَلَةُ وَالتَّفَاوُتُ وَاقِعٌ بَيْنَ ظُهُورِ أَنَّهَا بِحَسَبِ الْأَمْرِ الْمُظْهِرِ الْمُقْتَضِي تَعَيُّنَ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ تَعَيُّنًا مُخَالِفًا لِتَعَيُّنِهِ فِي أَمْرٍ آخَرَ فَلَا تَعَدُّدَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَلَا تَجْزِئَةَ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>